القول في تأويل قوله تعالى : 
[ 46 ] ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين    . 
ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة  بضم العين وتشديد الدال ، أي : قوة من مال وسلاح وزاد ونحوها ولكن كره الله انبعاثهم  أي : نهوضهم للخروج فثبطهم  أي : فكسلهم وضعف رغبتهم وقيل اقعدوا مع القاعدين  أي : من النساء والصبيان . 
تنبيهات : 
الأول : دل قوله تعالى : لأعدوا له عدة  على أن عدة الحرب من الكراع والسلاح وجميع ما يستعان به على العدو ، من جملة الجهاد   . 
فما صرف في المجاهدين صرف في ذلك ، وهذا جلي فيما يتقى به من العدة كالسلاح ، فأما ما يحصل به الإرهاب من الرايات والطبول ونحو ذلك ، مما يضعف به قلب العدو ، فهو داخل في الجهاد ، وقد قال تعالى في سورة الأنفال : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم  ويكون ذلك كلباس الحرير حالة الحرب ، وهذا جلي حيث لا يؤدي إلى السرف . 
الثاني : إن الفعل يحسن بالنية ، ويقبح بالنية  ، وإن استويا في الصورة ، لأن النفير واجب مع نية النصر ، وقبيح مع إرادة تحصيل القبيح ، وذلك لأنه تعالى أخبر أنه كره انبعاثهم لما يحصل منه من إرادة المكر بالمسلمين . 
 [ ص: 3168 ] الثالث : للإمام منع من يتهم بمضرة المسلمين ، أن يخرج للجهاد  ، فله نفي الجاسوس والمرجف والمخذل . ذكر ذلك كله بعض مفسري الزيدية   . 
الرابع : ذكروا أن قوله تعالى : وقيل اقعدوا مع القاعدين  تمثيل لإلقاء الله تعالى كراهة الخروج في قلوبهم ، يعني نزل خلق داعية القعود فيهم منزلة الأمر ، والقول الطالب ، كقوله تعالى : فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم  أي : أماتهم ، أو هو تمثيل لوسوسة الشيطان بالأمر بالقعود ، أو هو حكاية قول بعضهم لبعض ، أو هو إذن الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بالقعود . 
قال  الزمخشري   : فإن قلت : ما معنى قوله : مع القاعدين  ؟ قلت : هو ذم لهم وتعجيز ، وإلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم القعود والجثوم في البيوت ، وهم القاعدون والخالفون والخوالف ، ويبينه قوله تعالى : رضوا بأن يكونوا مع الخوالف  
قال الناصر   : وهذا من تنبيهاته الحسنة . ونزيده بسطا فنقول : 
لو قيل : ( اقعدوا ) مقتصرا عليه ، لم يفد سوى أمرهم بالقعود ، وكذلك : ( كونوا مع القاعدين ) . 
ولا تحصل هذه الفائدة من إلحاقهم بهؤلاء الأصناف الموصوفين عند الناس بالتخلف والتقاعد ، الموسومين بهذه السمة ، إلا من عبارة الآية ، ولعن الله فرعون  ، لقد بالغ في توعيد موسى  عليه السلام بقوله : لأجعلنك من المسجونين  ولم يقل : لأجعلنك مسجونا . لمثل هذه النكتة من البلاغة . 
ثم بين تعالى سر كراهته لخروجهم بقوله : 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					