القول في تأويل قوله تعالى : 
[86 ] أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون   
"أولئك الذين اشتروا" أي آثروا "الحياة الدنيا" على خساستها . واستبدلوها "بالآخرة" مع نفاستها . فلا يخفف عنهم العذاب  في واحدة من الدارين. ولا هم ينصرون  قال الحافظ ابن كثير  في تفسيره : أنكر تعالى على اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في المدينة  ، وما كانوا يعانونه من القتال مع الأوس  والخزرج  ، وذلك أن الأوس  والخزرج  وهم الأنصار  كانوا في الجاهلية عباد أصنام ، وكانت  [ ص: 184 ] بينهم حروب كثيرة ، وكانت يهود المدينة  ثلاث قبائل : بنو قينقاع  ، حلفاء الخزرج  ، وبنو نضير  ، وبنو قريظة  ، حلفاء الأوس  فكانوا ، إذا كانت بين الأوس  والخزرج  حرب ، خرجت بنو قينقاع  مع الخزرج  وخرجت النضير  وقريظة  مع الأوس  ، يظاهر كل واحد من الفريقين حلفاءه على إخوانه . فيخربون ديارهم ويخرجونهم منها ، ويسفكون دماءهم ، وبأيديهم التوراة . يعرفون فيها ما عليهم وما لهم . والأوس  والخزرج  أهل شرك يعبدون الأوثان ، ولا يعرفون جنة ولا نارا ولا بعثا ولا قيامة ، ولا كتابا ، ولا حلالا ولا حراما ؛ فإذا وضعت الحرب أوزارها ، وأسر الرجل من الفريقين كليهما جمعوا له حتى يفدوه ، فتفتدي بنو قينقاع  ما كان من أسراهم في أيدي الأوس  ، وتفتدي النضير  وقريظة  ما كان في أيدي الخزرج  منهم . فإذا عيرتهم العرب  بذلك وقالوا : كيف تقاتلونهم وتفدونهم ؟ قالوا . إنا أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم . فيقال : لم تقاتلونهم ؟ قالوا : إنا نستحي أن تستذل حلفاؤنا . فلذلك حين عيرهم عز وجل فقال : أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض  أي تفادوهم بحكم التوراة وتقتلونهم . وفي حكم التوراة أن لا يقتل ولا يخرج من داره ولا يظاهر عليه من يشرك بالله ، ويعبد الأوثان من دونه ؛ ابتغاء عرض الدنيا . هذا ملخص ما ساقه  ابن كثير  عن  محمد بن إسحاق  بسنده إلى  ابن عباس.  ورواه أيضا عن  السدي   . فليحقق تصحيح هذه القصة . 
وفي الآية تفسير آخر . أي لا تقتلوا أنفسكم لشدة تصيبكم بسكين ، أو خنق ، أو بارتكاب ما يوجب ذلك . كالارتداد والزنى بعد الإحصان . وقتل النفس بغير الحق ونحو ذلك . ولا تسيئوا جوار من جاوركم فيضطرون إلى الخروج من دياركم . أو : لا تفسدوا فتكونوا سببا لإخراجكم أنفسكم . والله أعلم . 
				
						
						
