[ ص: 496 ] قال شيخ الإسلام رحمه الله فصل قال تعالى :  { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم   }  ذكر هذا بعد قوله : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون   } { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون   } { أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين   } ثم قال : { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم   } وقال تعالى : { واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا   } 
. فأخبر في هاتين الآيتين أنه لا مبدل لكلمات الله وأخبر في الأولى أنها تمت صدقا وعدلا . وقد تواتر { عن النبي صلى الله عليه وسلم  [ ص: 497 ] أنه كان يستعيذ ويأمر بالاستعاذة بكلمات الله التامات وفي بعض الأحاديث التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر  } . وقال تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون   } { الذين آمنوا وكانوا يتقون   } { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم   } 
. وقال تعالى : { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين   } فأخبر في هذه الآية أيضا أنه لا مبدل لكلمات الله ; عقب قوله : { فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا   } وذلك بيان أن وعد الله الذي وعده رسله من كلماته التي لا مبدل لها  لما قال في أوليائه : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله   } فإنه ذكر أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة . فوعدهم بنفي المخافة والحزن وبالبشرى في الدارين . 
وقال بعد ذلك : { ولا مبدل لكلمات الله   } فكان في هذا تحقيق كلام الله الذي هو وعده . كما قال : { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله   } . وقال : { وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون   } . وقال المؤمنون : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد   } 
. فإخلاف ميعاده تبديل  [ ص: 498 ] لكلماته - وهو سبحانه لا مبدل لكلماته . يبين ذلك قوله تعالى { لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد   } { ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد   }  فأخبر سبحانه أنه قدم إليهم بالوعيد وقال : { ما يبدل القول لدي   } وهذا يقتضي أنه صادق في وعيده أيضا وأن وعيده لا يبدل . وهذا مما احتج به القائلون بأن فساق الملة لا يخرجون من النار . 
وقد تكلمنا عليهم في غير هذا الموضع ; لكن هذه الآية تضعف جواب من يقول : إن إخلاف الوعيد جائز . فإن قوله : { ما يبدل القول لدي   } بعد قوله : { وقد قدمت إليكم بالوعيد   } دليل على أن وعيده لا يبدل كما لا يبدل وعده . لكن التحقيق الجمع بين نصوص الوعد والوعيد وتفسير بعضها ببعض من غير تبديل شيء منها كما يجمع بين نصوص الأمر والنهي من غير تبديل شيء منها . وقد قال تعالى : { سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله   } والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					