وأيضا : فإن الرواية اختلفت عن أحمد  إذا بدا الصلاح في  [ ص: 38 ] حديقة من الحدائق هل يجوز بيع جميعها أم لا يباع إلا ما صلح منها  ؟ على روايتين : أشهرهما عنه . أنه لا يباع إلا ما بدا صلاحه . وهي اختيار قدماء أصحابه . كأبي بكر  وابن شاقلاء   . 
والرواية الثانية : يكون بدو الصلاح في البعض صلاحا للجميع وهي اختيار أكثر أصحابه . كابن حامد  والقاضي  ومن تبعهما . 
ثم المنصوص عنه في هذه الرواية أنه قال : إذا كان في بستان بعضه بالغ وبعضه غير بالغ بيع إذا كان الأغلب عليه البلوغ ، فمنهم من فرق بين صلاح القليل والكثير كالقاضي أخيرا وأبي حكيم النهرواني  وأبي البركات  وغيرهم ممن قصر الحكم بما إذا غلب الصلاح ، ومنهم من سوى بين الصلاح القليل والكثير  كأبي الخطاب  وجماعات . وهو قول مالك  والشافعي  والليث   . وزاد مالك  فقال : يكون صلاحا لما جاوره من الأقرحة . وحكوا ذلك رواية عن أحمد   . 
واختلف هؤلاء : هل يكون صلاح النوع - كالبرني من الرطب - صلاحا لسائر أنواع الرطب ؟ على وجهين في مذهب الشافعي  وأحمد   . ( أحدهما المنع وهو قول القاضي   وابن عقيل  وأبي محمد   . ( والثاني الجواز وهو قول  أبي الخطاب   . وزاد الليث  على هؤلاء فقال :  [ ص: 39 ] صلاح الجنس - كالتفاح واللوز - يكون صلاحا لسائر أجناس الثمار . 
ومأخذ من جوز شيئا من ذلك : أن الحاجة تدعو إلى ذلك ; فإن بيع بعض ذلك دون بعض يفضي إلى سوء المشاركة واختلاف الأيدي . وهذه علة من فرق بين البستان الواحد والبساتين . ومن سوى بينهما قال : المقصود الأمن من العاهة ، وذلك يحصل بشروع الثمر في الصلاح . 
ومأخذ من منع ذلك : أن قول النبي صلى الله عليه وسلم " { حتى يبدو صلاحها  } يقتضي بدو صلاح الجميع . 
والغرض من هذه المذاهب : أن من جوز بيع البستان من الجنس الواحد لبدو الصلاح في بعضه فقياس قوله : جواز بيع المقثاة إذا بدا صلاح بعضها . والمعدوم هنا فيها كالمعدوم من أجزاء الثمرة ; فإن الحاجة تدعو إلى ذلك أكثر ; إذ تفريق الأشجار في البيع أيسر من تفريق البطيخات والقثاءات والخيارات وتمييز اللقطة عن اللقطة لو لم يشق فإنه أمر لا ينضبط ; فإن اجتهاد الناس في ذلك متفاوت . 
والغرض من هذا : أن أصول أحمد  تقتضي موافقة مالك  في هذه المسائل كما قد روي عنه في بعض الجوابات أو قد خرجه أصحابه على أصوله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					