قوله ( وإن مات الشفيع    : بطلت الشفعة ، إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه ) . إذا مات الشفيع فلا يخلو : إما أن يكون قد مات قبل طلبها أو بعده . فإن مات قبل طلبها : لم يستحق الورثة الشفعة . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . ونص عليه مرارا . قال في القواعد الفقهية : لا تورث مطالبة الشفعة من غير مطالبة ربها . على الصحيح من المذهب . وله مأخذان . 
أحدهما : أنه حق له : فلا يثبت بدون مطالبته . ولو علمت رغبته من غير مطالبته لكفى في الإرث . ذكره  القاضي  في خلافه . 
والمأخذ الثاني : أن حقه سقط بتركه وإعراضه ، لا سيما على قولنا : إنها على الفور .  [ ص: 298 ] فعلى هذا : لو كان غائبا فللورثة المطالبة . وليس ذلك على الأول . انتهى . وقيل : للورثة المطالبة . وهو تخريج  لأبي الخطاب    . ونقل أبو طالب    : إذا مات صاحب الشفعة ، فلولده أن يطلبوا الشفعة لمورثهم قال في القواعد : وظاهر هذا : أن لهم المطالبة بكل حال . انتهى . وإن مات بعد أن طالب بها : استحقها الورثة . وهو المذهب . وعليه الأصحاب . ولا أعلم فيه خلافا . وقد توقف في رواية ابن القاسم  ، وقال : وهو موضع نظر . وتقدم نظير ذلك في آخر فصل خيار الشرط . قال الحارثي    : ثم من الأصحاب من يعلل بإفادة الطلب للملك . فيكون الحق موروثا بهذا الاعتبار . وهي طريقة  القاضي  ،  وأبي الخطاب  ، ومن وافقهما على إفادة الملك . ومنهم من يعلل بأن الطلب مقرر للحق . ولهذا لم تسقط بتأخير الأخذ بعدة وتسقط قبله . وإذا تقرر الحق وجب أن يكون موروثا . وهي طريقة  المصنف  ، ومن وافقه على أن الطلب لا يفيد الملك . وهو مقتضى كلام الإمام  أحمد  رحمه الله . 
تنبيه : ظاهر كلام  المصنف    : أن الشفيع لا يملك الشقص بمجرد المطالبة . وهو أحد الوجوه . فلا بد للتملك من أخذ الشقص ، أو يأتي بلفظ يدل على أخذه بعد المطالبة . بأن يقول " قد أخذته بالثمن " أو " تملكته بالثمن " ونحو ذلك . وهو اختيار  المصنف  ، والشارح    . وقدمه الحارثي  ، ونصره . وقال : اختاره  المصنف  ، وغيره من الأصحاب . وقيل : يملكه بمجرد المطالبة إذا كان مليئا بالثمن . وهو المذهب . اختاره  القاضي  ،  وأبو الخطاب  ، وابن عبدوس  في تذكرته . وقدمه في الفروع ، والمستوعب ، والرعايتين ، والحاوي الصغير . قال الحارثي    : وهو قول  القاضي  ، وأكثر أصحابه ، وصاحب التلخيص .  [ ص: 299 ] فيصح تصرفه قبل قبضه فيه . وقيل : لا يملكه إلا بمطالبته وقبضه . وقيل : لا يملكه إلا بحكم حاكم . اختاره  ابن عقيل    . وقطع به في تذكرته . قال الحارثي    : ويحصل الملك بحكم الحاكم أيضا . ذكره ابن الصيرفي  في نوادره . وقال به غير واحد . انتهى . وقيل : لا يملكه إلا بدفع ثمنه ، ما لم يصر مشتريه واختاره  ابن عقيل  أيضا . حكاه في المستوعب ، والتلخيص . قال في القواعد : ويشهد له نص الإمام  أحمد  رحمه الله : إذا لم يحضر المال مدة طويلة . بطلت شفعته . وقال في الرعاية : الأصح أن له التصرف قبل قبضه وتملكه . وقال في التلخيص ، والترغيب : للمشتري حبسه على ثمنه . لأن الملك بالشفعة قهري كالميراث ، والبيع عن رضى . ويخالفه أيضا في خيار الشرط . وكذا خيار مجلس من جهة شفيع بعد تملكه . لنفوذ تصرفه قبل قبضه بعد تملكه بإرث . 
تنبيه : قوله ( ويأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد ) . قال الحارثي    : فيه مضمر حذف اختصارا . وتقديره : مثل الثمن ، أو قدره . لأن الأخذ بعين الثمن المأخوذ به للمشتري غير ممكن . فتعين الإضمار . وإذن فالظاهر إرادة الثاني ، وهو القدر . لأنه تعرض لوصف التأجيل ، والمثلية ، والتقويم فيما بعد . فلو كان المثل مرادا : لكان تكريرا . لشمول " المثل " للصفة والذات . انتهى . 
فوائد : منها : تنتقل الشفعة إلى الورثة كلهم على حسب ميراثهم . ذكره غير واحد منهم  المصنف  ، والشارح  ، والسامري  ، وابن رجب  ، وغيرهم .  [ ص: 300 ] 
ومنها : لا فرق في الوارث بين ذوي الرحم والزوج والمولى وبيت المال . فأخذ الإمام بها . صرح به الأصحاب . قاله في القاعدة التاسعة والأربعين بعد المائة . 
ومنها : إشهاد الشفيع على الطلب حالة العذر يقوم مقام الطلب في الانتقال إلى الورثة . 
ومنها : شفيعان في شقص . عفا أحدهما ، وطالب الآخر ، ثم مات    . فورثه العافي : له أخذ الشقص بالشفعة . ذكره  المصنف  ، وغيره . قال  المصنف    : كذا لو قذف رجل أمهما الميتة . فعفا أحدهما ، وطالب الآخر ثم مات . فورثه العافي    : كان له استيفاء الحد بالنيابة عن أخيه ، إذا قيل بوجوب الحد بقذفها . قوله ( وإن عجز  عنه  أو عن بعضه : سقطت شفعته ) . ولو أتى برهن أو ضامن : لم يلزم المشتري . ولكن ينظر ثلاثا . على الصحيح من المذهب ( حتى يتبين عجزه ) . نص عليه . وجزم به في الرعاية الصغرى ، والمحرر ، والحاوي الصغير ، والنظم ، وتذكرة ابن عبدوس    . وقدمه في الفروع ، والحارثي    .  وعنه    : لا ينظر إلا يومين . جزم به في المغني ، والشرح ، والتلخيص ، والمستوعب  وعنه    : يرجع في ذلك إلى رأي الحاكم . قلت    : وهذا الصواب في وقتنا هذا . فإذا مضى الأجل : فسخ المشتري . على الصحيح من المذهب . اختاره  القاضي  ،  والمصنف    . قال الحارثي    : وهو أصح . وقدمه في الفروع . وقيل : إنما يفسخه الحاكم . قدمه في الشرح ، والرعاية ، والفائق . وقيل : يتبين بطلانه . اختاره  ابن عقيل    .  [ ص: 301 ] قال الحارثي    : والمنصوص من رواية الحمال : بطلان الشفعة مطلقا . وهو ما قال في التلخيص ، والمحرر . 
فوائد : الأولى : المذهب أن الأخذ بالشفعة نوع بيع . لأنه دفع مال لغرض التملك . ولهذا اعتبر له العلم بالشقص وبالثمن . فلا يصح مع جهالتهما . ذكره  المصنف  ، وغيره قال : وله المطالبة بالشفعة مع الجهالة . ثم يتعرف مقدار الثمن . وذكر احتمالا بجواز الأخذ مع جهالة الشقص بناء على جواز بيع الأعيان الغائبة    . 
الثانية : قال  المصنف  ، وغيره : إذا أخذ بالشفعة لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن    . وقاله في التلخيص ، وغيره . وفرق بينه وبين البيع . 
الثالثة : لو تسلم الشقص والثمن في الذمة ، فأفلس . فقال  المصنف  ، وغيره : المشتري مخير بين الفسخ والضرب مع الغرباء بالثمن كالبائع إذا أفلس المشتري . الرابعة : في رجوع شفيع بأرش على مشتر عفا  عنه  بائع : وجهان . وأطلقهما في الرعاية ، والفروع . قلت    : الصواب عدم الرجوع . وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب . ثم وجدته في المغني ، والشرح ، وشرح  ابن رزين  ، والحارثي    . قطعوا بذلك . وتقدم ذلك بعد قوله " وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة " . قوله ( وإن كان مؤجلا : أخذه الشفيع بالأجل إن كان مليئا ، وإلا أقام كفيلا مليئا وأخذ به ) . هذا المذهب . وعليه الأصحاب . ونص عليه . لكن شرط القاضي  في الجامع الصغير ، وغيره ، وولده أبو الحسين  ،  والقاضي يعقوب  ، وأبو الحسن بن بكروس    : وصف " الثقة " مع " الملاءة " فلا يستحق بدونهما .  [ ص: 302 ] قال الحارثي    : وليس ببعيد من النص . 
فائدة : لو أخذ الشفيع بالأجل ، ثم مات هو أو المشتري وقلنا : يحل الدين بالموت حل الثمن عليه ، ولم يحل على الحي منهما . ذكره  المصنف  وغيره . 
فائدة : قال الحارثي    : إطلاق قول  المصنف    " إن كان مؤجلا أخذه بالأجل إن كان مليئا " يفيد ما لو لم يتفق طلب الشفيع إلا عند حلول الأجل أو بعده ، أن يثبت له استئناف الأجل . وقطع به ونصره . قوله ( وإن كان الثمن عرضا : أعطاه مثله ، إن كان ذا مثل ، وإلا قيمته ) . اعلم أن الثمن لا يخلو : إما أن يكون مثليا ، أو متقوما . فإن كان مثليا : انقسم إلى نقد وعرض . وأيا ما كان فالمماثلة فيه تتعلق بأمور . 
أحدهما : الجنس . فيجب مثله من الجنس : كالذهب ، والفضة ، والحنطة ، والشعير ، والزيت ، ونحوه . وإن انقطع المثل حالة الأخذ : انتقل إلى القيمة . كما في الغصب . حكاه  ابن الزاغوني  محل وفاق . وفي أصل المسألة رواية : أنه يأخذ بقيمة المكيل والموزون ، تعذر المثل أو لا وأما المذروع كالثياب فقال  ابن الزاغوني  في شروطه : القول فيه كالقول في المكيل والموزون . إلا أن القول فيه هنا مبني على السلم فيه . فحيث صححنا السلم فيه : أخذ مثلها ، إلا على الرواية في أنها مضمونة القيمة فيأخذ الشفيع بالقيمة وحيث قلنا : لا تصح بأخذ القيمة ، والأولى : القيمة . انتهى . قال الحارثي    : والقيمة اختيار  المصنف  ، وعامة الأصحاب . وأما المعدود كالبيض ونحوه فقال  ابن الزاغوني    : ينبني على السلم فيه . إن قيل بالصحة : ففيه ما في المكيل ، والموزون . وإلا فالقيمة . 
الثاني : المقدار ، فيجب مثل الثمن قدرا من غير زيادة ولا نقص . فإن وقع  [ ص: 303 ] العقد على ما هو مقدر بالمعيار الشرعي فذلك . وإن كان بغيره كالبيع بألف رطل من حنطة فقال في التلخيص : ظاهر كلام أصحابنا : أنه يكال ويدفع إليه مثل مكيله ، لأن الربويات تماثلها بالمعيار الشرعي . وكذلك إقراض الحنطة بالوزن . قال : يكفي عندي الوزن هنا . إذ المبذول في مقابلة الشقص وقدر الثمن : معياره لا عوضه . انتهى . 
تنبيه : تقدم في الحيل : إذا جهل الثمن ما يأخذ . 
الثالث : الصفة في الصحاح ، والمكسرة ، والسود ، ونقد البلد ، والحلول ، وضدها . فيجب مثله صفة . وإن كان متقوما كالعبد ، والدار ، ونحوهما فالواجب اعتباره بالقيمة يوم البيع . وقال في الرعاية : يأخذ الشفيع الشقص بما استقر عليه العقد من ثمن مثلي أو قيمة غيره وقت لزوم العقد . وقيل : بل وقت وجوب الشفعة . انتهى . 
فائدة : لو تبايع ذميان بخمر  ، إن قلنا : ليست مالا لهم . فلا شفعة بحال . اختاره  القاضي  ،  وابن عقيل  ،  والمصنف  ، وغيرهم . واقتصر عليه الحارثي    . وإن قلنا : هي مال لهم . فأطلق  أبو الخطاب  ، وغيره : وجوب الشفعة . وكذا قال  القاضي  وغيره . ثم قال في المستوعب ، والتلخيص : يأخذ بقيمة الخمر كما لو أتلف على ذمي خمرا . قوله ( وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري ، إلا أن يكون للشفيع بينة ) . وهذا بلا نزاع . وعليه الأصحاب .  [ ص: 304 ] لكن لو أقام كل واحد من الشفيع والمشتري بينة بثمنه . فقال  القاضي  ، وابنه أبو الحسين  ،  وأبو الخطاب  ،  وابن عقيل  ، والشريف أبو جعفر  ، وأبو القاسم الزيدي  ، وصاحب المستوعب : تقدم بينة الشفيع . قال الحارثي    : ويقتضيه إطلاق  الخرقي  ،  والمصنف  هنا . وجزم هنا به في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، والمستوعب ، والهداية ، والمذهب ، والخلاصة . وقيل : تتعارضان . وهو احتمال في المغني . وقدمه  ابن رزين  في شرحه . وقيل : باستعمالهما بالقرعة . وأطلقهن في الفروع . ووجه الحارثي  قولا : أن القول قول المشتري . لأنه قال : قول الأصحاب هنا مخالف لما قالوه في بينة البائع والمشتري ، حيث قدموا بينة البائع . لأنه مدع بزيادة . وهذا بعينه موجود في المشتري هنا . فيحتمل أن يقال فيه بمثل ذلك . انتهى . 
فوائد : إحداهما : لو قال المشتري : لا أعلم قدر الثمن . فالقول قوله . ذكره الأصحاب :  القاضي   وابن عقيل  ،  والمصنف  ، وغيرهم . قال  القاضي  ،  وابن عقيل    : فيحلف أنه لا يعلم قدره . لأن ذلك وفق الجواب . وإذن لا شفعة . لأنها لا تستحق بدون البدل ، وإيجاب البدل متعذر للجهالة . لو ادعى المشتري جهل قيمة العرض : فكدعوى جهل الثمن . ذكره  المصنف  وغيره . وتقدم التنبيه على ذلك بعد ذكر الحيل أول الباب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					