قوله ( وللمدعي أن يقول " لي بينة " وإن لم يقل ، قال الحاكم " ألك بينة  ؟ " ) . وله قول ذلك قبل أن يقول المدعي " لي بينة " فإن قال " لي بينة " أمره بإحضارها . ومعناه : إن شئت فأحضرها . وهذا المذهب مطلقا . وقدمه في الفروع .  [ ص: 244 ] قال في الهداية ، والخلاصة ، وغيرهما : وإن أنكر سأل المدعي " ألك بينة ؟ " وقال في المحرر : لا يقول الحاكم للمدعي " ألك بينة ؟ " إلا إذا لم يعرف أن هذا موضع البينة . وجزم به في الوجيز . وقال في الرعاية الكبرى ، والحاوي : فإن قال المدعي " لي بينة " وأحضرها : حكم بها . وإن جهل أنه موضعها : قال له " ألك بينة ؟ " فإن قال ( نعم ) طلبها وحكم بها . وكذا إن قال " إن كانت لك بينة فأحضرها إن شئت " ففعل . وقال في المستوعب ، والمغني : لا يأمره بإحضارها . لأن ذلك حق له . فله أن يفعل ما يرى . قوله ( فإذا أحضرها : سمعها الحاكم ) . بلا نزاع . لكن لا يسألها الحاكم . على الصحيح من المذهب . جزم به في المغني ، والشرح ، والفروع . وقال : ويتوجه وجه . 
فائدة : 
لا يقول الحاكم لهما " أشهدا " وليس له أن يلقنهما . على الصحيح من المذهب . وقال في المستوعب : ولا ينبغي ذلك . وقال في الموجز : يكره ذلك ، كتعنيفهما وانتهارهما . وظاهر الكافي في التعنيف والانتهار : يحرم . قوله ( فإذا أحضرها : سمعها الحاكم . وحكم بها إذا سأله المدعي    ) . الصحيح من المذهب : أنه لا يحكم إلا بسؤال المدعي .  [ ص: 245 ] وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به في الشرح ، وغيره . وقدمه في الفروع . وقيل : له الحكم قبل سؤاله . وهي شبيهة بما إذا أقر له . على ما تقدم . 
فائدة : 
إذا شهدت البينة : لم يجز له ترديدها ويحكم في الحال . على الصحيح من المذهب . قدمه في الفروع . وقال في الرعاية : إن ظن الصلح : أخر الحكم . وقال في الفصول : وأحببنا له أمرهما بالصلح ، ويؤخره . فإن أبيا : حكم . وقال في المغني ، والشرح : يقول له الحاكم " قد شهدا عليك . فإن كان قادح فبينه عندي " يعني : يستحب ذلك . وذكره غيرهما . وذكره في المذهب ، والمستوعب ، فيما إذا ارتاب فيهما . قال في الفروع : فدل أن له الحكم مع الريبة . قلت    : الحكم مع الريبة : فيه نظر بين . وقال في الترغيب ، وغيره : لا يجوز الحكم بضد ما يعلمه ، بل يتوقف . ومع اللبس يأمر بالصلح . فإن عجل فحكم قبل البيان : حرم ولم يصح . 
تنبيه : 
ظاهر قوله " فإذا أحضرها سمعها الحاكم وحكم " أن الشهادة . لا تسمع قبل الدعوى . واعلم أن الحق حقان : حق لآدمي معين ، وحق لله .  [ ص: 246 ] فإن كان الحق لآدمي معين ، فالصحيح من المذهب : أنها لا تسمع قبل الدعوى . جزم به في المغني ، والشرح . ذكراه في أثناء كتاب الشهادات . وقدمه في الفروع . وسمعها  القاضي  في التعليق ،  وأبو الخطاب  في الانتصار .  والمصنف  في المغني : إن لم يعلم به . قال الشيخ تقي الدين  رحمه الله : هو غريب . وذكر الأصحاب : أنها تسمع بالوكالة من غير خصم . ونقله مهنا . قال الشيخ تقي الدين  رحمه الله : تسمع ولو كان في البلد . وبناه  القاضي  ، وغيره : على جواز القضاء على الغائب . انتهى . والوصية : مثل الوكالة . قال الشيخ تقي الدين  رحمه الله : الوكالة إنما تثبت استيفاء حق ، أو إبقاءه . وهو مما لا حق للمدعي عليه فيه . فإن دفعه إلى الوكيل وإلى غيره سواء . ولهذا لم يشترط فيها رضاه . وإن كان الحق لله تعالى كالعبادات ، والحدود ، والصدقة ، والكفارة : لم تصح به الدعوى ، بل ولا تسمع . وتسمع البينة من غير تقدم دعوى . وهذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وجزم به  المصنف  ، والشارح  ، وغيرهما . وقدمه في الفروع ، وغيره . قال في التعليق : شهادة الشهود دعوى . قال :  للإمام أحمد  رحمه الله في بينة الزنا تحتاج إلى مدع ؟ فذكر خبر  [ ص: 247 ]  أبي بكرة  رضي الله عنه وقال : لم يكن مدع . وقال في الرعاية : تصح دعوى حسبة من كل مسلم مكلف رشيد في حق الله تعالى كعدة ، وحد ، وردة ، وعتق واستيلاد ، وطلاق ، وكفارة ونحو ذلك ، وبكل حق لآدمي غير معين ، وإن لم يطلبه مستحقه . وذكر  أبو المعالي    : لنائب الإمام مطالبة رب مال باطن بزكاة ، إذا ظهر له تقصير . وفيما أوجبه من نذر وكفارة ونحوه : وجهان . وقال  القاضي  في الخلاف فيمن ترك الزكاة : هي آكد . لأن للإمام أن يطالب بها ، بخلاف الكفارة والنذر . وقال في الانتصار : في حجره على مفلس الزكاة ، كمسألتنا ، إذا ثبت وجوبها عليه ، لا الكفارة . وقال في الترغيب : ما شمله حق الله والآدمي ، كسرقة : تسمع الدعوى في المال ، ويحلف منكر . ولو عاد إلى مالكه ، أو ملكه سارقه : لم تسمع . لتمحض حق الله . وقال في السرقة : إن شهدت بسرقة قبل الدعوى ، فأصح الوجهين : لا تسمع . وتسمع إن شهدت : أنه باعه فلان . وقال في المغني : كسرقة وزناه بأمته لمهرها : تسمع . ويقضي على ناكل بمال . وقاله  ابن عقيل  ، وغيره . 
فائدة : 
تقبل بينة عتق ، ولو أنكر العبد . نقله  الميموني    . وذكره في الموجز ، والتبصرة . واقتصر عليه في الفروع .  [ ص: 248 ] تنبيه : 
وكذا الحكم في أن الدعوى لا تصح ولا تسمع . وتسمع البينة قبل الدعوى في كل حق لآدمي غير معين . كالوقف على الفقراء ، أو على مسجد ، أو رباط ، أو وصية لأحدهما . قال الشيخ تقي الدين  رحمه الله : وكذا عقوبة كذاب مفتر على الناس ، والتكلم فيهم . وتقدم في التعزير كلام  الإمام أحمد  رحمه الله ، والأصحاب . وقال الشيخ تقي الدين  رحمه الله ، في حفظ وقف وغيره بالثبات عن خصم مقدر : تسمع الدعوى والشهادة فيه بلا خصم . وهذا قد يدخل في كتاب القاضي . وفائدته : 
كفائدة الشهادة . وهو مثل كتاب القاضي إذا كان فيه ثبوت محض . فإنه هناك يكون مدع فقط بلا مدعى عليه حاضر . لكن هنا المدعى عليه متخوف . وإنما المدعي يطلب من القاضي سماع البينة أو الإقرار كما يسمع ذلك شهود الفرع . فيقول القاضي ( ثبت ذلك عندي ، بلا مدعى عليه ) . قال : وقد ذكره قوم من الفقهاء . وفعله طائفة من الفقهاء . وفعله طائفة من القضاة ، ولم يسمعها طوائف من الحنفية والشافعية والحنابلة . لأن القصد بالحكم فصل الخصومة . ومن قال بالخصم المسخر : نصب الشر ، ثم قطعه . وذكر الشيخ تقي الدين  رحمه الله ، ما ذكره  القاضي  من احتيال الحنفية على سماع البينة من غير وجود مدعى عليه فإن المشتري المقر له بالبيع قد قبض المبيع وسلم الثمن . فهو لا يدعي شيئا ، ولا يدعى عليه شيء . وإنما غرضه تثبيت الإقرار والعقد . والمقصود سماع القاضي البينة . وحكمه بموجبها من غير وجود مدعى عليه ، ومن غير مدع على أحد . لكن خوفا من حدوث خصم مستقبل . فيكون  [ ص: 249 ] هذا الثبوت حجة بمنزلة الشهادة . فإن لم يكن القاضي يسمع البينة بلا هذه الدعوى وإلا امتنع من سماعها مطلقا ، وعطل هذا المقصود الذي احتالوا له . قال الشيخ تقي الدين  رحمه الله : وكلامه يقتضي أنه هو لا يحتاج إلى هذا الاحتيال ، مع أن جماعات من القضاة المتأخرين من الشافعية والحنابلة دخلوا مع الحنفية في ذلك ، وسموه " الخصم المسخر " . 
قال : وأما على أصلنا الصحيح ، وأصل  مالك  رحمه الله : فإما أن نمنع الدعوى على غير خصم منازع ، فتثبت الحقوق بالشهادات على الشهادات ، كما ذكره من ذكره من أصحابنا . وإما أن نسمع الدعوى والبينة بلا خصم . كما ذكره طائفة من المالكية والشافعية . وهو مقتضى كلام  الإمام أحمد  رحمه الله وأصحابنا في مواضع . لأنا نسمع الدعوى والبينة على الغائب والممتنع . وكذا على الحاضر في البلد في المنصوص . فمع عدم خصم : أولى . قال ، وقال أصحابنا : كتاب الحاكم كشهود الفرع . قالوا : لأن المكتوب إليه يحكم بما قام مقامه غيره . لأن إعلام القاضي للقاضي قائم مقام الشاهدين . فجعلوا كل واحد من كتاب الحاكم ، وشهود الفرع : قائما مقام غيره وهو بدل عن شهود الأصل . وجعلوا كتاب القاضي كخطابه . وإنما خصوه بالكتاب : لأن العادة تباعد الحاكمين . وإلا فلو كانا في محل واحد : كان مخاطبة أحدهما للآخر أبلغ من الكتاب . وبنوا ذلك على أن الحاكم يثبت عنده بالشهادة ما لم يحكم به . وإنما يعلم به حاكما آخر ليحكم به ، كما يعلم الفروع بشهادة الأصول .  [ ص: 250 ] قال : وهذا كله إنما يصح إذا سمعت الدعوى والبينة في غير وجه خصم وهو يفيد : أن كل ما يثبت بالشهادة على الشهادة : يثبته القاضي بكتابه قال : ولأن الناس بهم حاجة إلى إثبات حقوقهم بإثبات القضاة ، كإثباتها بشهادة الفروع . وإثبات القضاة أنفع لكونه كفى مؤنة النظر في الشهود . وبهم حاجة إلى الحكم فيما فيه شبهة أو خلاف لرفع . وإنما يخافون من خصم حادث 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					