[ ص: 161 ] باب صلاة التطوع . 
تنبيه : يحتمل قوله ( وهي أفضل تطوع البدن ) أن يكون مراده : أنها أفضل من جميع التطوعات فيدخل في ذلك التطوع بالجهاد وغيره ، وهو أحد الوجوه وقدمه في الرعاية الكبرى ، وحواشي ابن مفلح  ، وهو ظاهر تعليل ابن منجا  في شرحه ، ويحتمل أن يكون مراده : أنها أفضل التطوعات سوى الجهاد ; لقوله في كتاب الجهاد " وأفضل ما يتطوع به الجهاد " ويكون عموم كلامه هنا مخصوصا أو يقال : لم يدخل الجهاد في كلامه ; لأنه في الغالب لا يحصل بالبدن فقط ، ويحتمل أن يكون مراده : أنها أفضل التطوعات المقصورة على البدن ، كالصوم والوضوء والحج ونحوه ، بخلاف المتعدي نفعه كعيادة المريض ، وقضاء حاجة المسلم ، والإصلاح بين الناس والجهاد ، وصلة الرحم ، وطلب العلم ونحوه ، وهو وجه اختاره كثير من الأصحاب على ما يأتي قال في مجمع البحرين : وقول  الشيخ يعني به المصنف    ( تطوع البدن ) أي غير المتعدي نفعه ، المقصور على فاعله فأما المتعدي نفعه : فهو آكد من نفل الصلاة قال  المجد  في شرحه عن كلامه في الهداية وهو كلام  المصنف  وهذه المسألة محمولة عندي على نفل البدن غير المتعدي . انتهى . 
واعلم أن تحرير المذهب في ذلك : أن أفضل التطوعات مطلقا  الجهاد ، على الصحيح من المذهب نص عليه ، وعليه جماهير الأصحاب ، متقدمهم ومتأخرهم قال في الفروع : الجهاد أفضل تطوعات البدن  أطلقه  الإمام أحمد  ، والأصحاب والصحيح من المذهب أيضا : أنه أفضل من الرباط ، وقيل : الرباط أفضل ، وحكى رواية ، وقال الشيخ تقي الدين    : العمل بالقوس والرمح أفضل في الثغر ، وفي غيره نظيرها  [ ص: 162 ] فعلى المذهب : النفقة في الجهاد أفضل من النفقة في غيرها ، على الصحيح من المذهب ، ونقل جماعة عن  الإمام أحمد    : الصدقة على قريبه المحتاج أفضل مع عدم حاجته إليه ، ذكره  الخلال  وغيره ، ونقل ابن هانئ  أن  أحمد  قال لرجل أراد الثغر " أقم على أختك أحب إلي أرأيت إن حدث بها حدث من يليها ؟ " ونقل حرب    : أنه قال لرجل له مال كثير " أقم على ولدك وتعاهدهم أحب إلي " ولم يرخص له يعني في غزو غير محتاج إليه قال ابن الجوزي  في كتاب صفوة الصفوة : الصدقة أفضل من الحج ، ومن الجهاد ، ويأتي في آخر باب ذكر أهل الزكاة عند قوله " والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة أهل " : " هل الصدقة أفضل من العتق أم لا ، أم هي أفضل زمن المجاعة ، أو على الأقارب ؟ وهل هي أفضل من الحج أم لا ؟ " وقال الشيخ تقي الدين    : استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهارا أفضل من الجهاد الذي لم تذهب فيه نفسه وماله ، وهي في غير العشر تعدل الجهاد قال في الفروع : ولعل هذا مرادهم . انتهى .  وعنه  العلم تعلمه وتعليمه أفضل من الجهاد وغيره ، ونقل مهنا    : طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته قيل : بأي شيء تصح النية ؟ قال : ينوي يتواضع فيه ، وينفي  عنه  الجهل واختاره في مجمع البحرين ، واختار بعده الجهاد ، ثم بعد الجهاد إصلاح ذات البين ، ثم صلة الرحم ، والتكسب على العيال من ذلك نص عليه الأصحاب . انتهى . وقال في نظمه : الصلاة أفضل ، بعد العلم والجهاد والنكاح المؤكد واختار الحافظ عبد الغني    : أن الرحلة إلى سماع الحديث أفضل من الغزو  ، ومن سائر النوافل ، وذكر الشيخ تقي الدين    : أن تعلم العلم وتعليمه يدخل بعضه في الجهاد ، وأنه  [ ص: 163 ] نوع من الجهاد من جهة أنه من فروض الكفايات . 
قال : والمتأخرون من أصحابنا أطلقوا القول أن أفضل ما يتطوع به الجهاد ، وذلك لمن أراد أن ينشئه تطوعا ، باعتبار أنه ليس بفرض عين عليه ، باعتبار أن الفرض قد سقط  عنه  فإذا باشره ، وقد سقط  عنه  الفرض فهل يقع فرضا أو نفلا ؟ على وجهين كالوجهين في صلاة الجنازة إذا أعادها بعد أن صلاها غيره ، وانبنى على الوجهين جواز فعلها بعد العصر والفجر مرة ثانية ، والصحيح : أن ذلك يقع فرضا ، وأنه يجوز فعلها بعد العصر والفجر ، وإن كان ابتداء الدخول فيه تطوعا . كما في التطوع الذي يلزم بالشروع فإنه كان نفلا ، ثم يصير إتمامه واجبا . انتهى . وقال في آداب عيون المسائل : العلم أفضل الأعمال  ، وأقرب العلماء إلى الله ، وأولاهم به    : أكثرهم له خشية . انتهى . 
واعلم أن الصلاة بعد الجهاد والعلم أفضل التطوعات ، على الصحيح من المذهب ، وعليه الجمهور قال في الفروع : ذكره أكثر الأصحاب . وقدمه في الفروع ، والحاوي الصغير ، والرعاية الصغرى ، وغيرهم ، وقيل : الصوم أفضل من الصلاة قال  الإمام أحمد    : لا يدخله رياء قال بعضهم : وهذا يدل على فضيلته على غيره قال ابن شهاب    : أفضل ما يتعبد به المتعبد  الصوم ، وقيل : ما تعدى نفعه أفضل اختاره  المجد  ، وصاحب الحاوي الكبير ، ومجمع البحرين ، وقال : اختاره  المجد  ، وغيره من الأصحاب ، وقال : صرح به  الشيخ يعني به المصنف  في كتبه ، وحمل  المجد  كلامه في الهداية على هذا ، وكذا صاحب مجمع البحرين ، حمل كلام  المصنف  على هذا ، كما تقدم ، ونقل المروذي    : إذا صلى وقرأ واعتزل فلنفسه ، وإذا أقرأ فله ولغيره ، يقرئ أعجب إلي ، وأطلقهن ابن تميم  ، ونقل  حنبل    : اتباع الجنازة أفضل من الصلاة ،  [ ص: 164 ] وفي كلام  القاضي    : التكسب للإحسان أفضل من التعلم    ; لتعديه قال في الفروع : وظاهر كلام ابن الجوزي  وغيره : أن الطواف أفضل من الصلاة في المسجد الحرام   واختاره الشيخ تقي الدين  ، وذكره عن جمهور العلماء للخبر ، ونقل  حنبل  أن  الإمام أحمد  قال : نرى لمن قدم مكة  أن يطوف ; لأنه صلاة ، والطواف أفضل من الصلاة ، والصلاة بعد ذلك ، وعن  ابن عباس    " الطواف لأهل العراق  ، والصلاة لأهل مكة    " وكذا  عطاء  ، هذا كلام  أحمد  ، وذكر في رواية أبي داود  عن  عطاء  ، والحسن  ،  ومجاهد    : الصلاة لأهل مكة  أفضل ، والطواف للغرباء أفضل . 
قال في الفروع : فدل ما سبق أن الطواف أفضل من الوقوف بعرفة  ، لا سيما وهو عبادة بمفرده يعتبر له ما يعتبر للصلاة . انتهى . قلت    : وفي هذا نظر ، وقيل : الحج أفضل ، لأنه جهاد ، وذكر في الفروع الأحاديث في ذلك ، وقال : فظهر أن نفل الحج أفضل من صدقة التطوع  ، ومن العتق ومن الأضحية ، وعلى هذا إن مات في الحج فكما لو مات في الجهاد ، يكون شهيدا ، وذكر الوارد في ذلك ، وقال : على هذا فالموت في طلب العلم أولى بالشهادة على ما سبق ، ونقل أبو طالب    : ليس يشبه الحج شيء ، للتعب الذي فيه ، ولتلك المشاعر ، وفيه مشهد ليس في الإسلام مثله ، عشية عرفة ، وفيه إهلال المال والبدن ، وإن مات بعرفة  فقد طهر من ذنوبه ، ونقل مهنا    : الفكر أفضل من الصلاة والصوم  قال في الفروع : فقد يتوجه أن عمل القلب أفضل من عمل الجوارح  ، ويكون مراد الأصحاب : عمل الجوارح ، ولهذا ذكر في الفنون رواية مهنا  ، فقال : يعني الفكر في آلاء الله ، ودلائل صنعه ، والوعد والوعيد ; لأنه الأصل الذي ينتج أفعال الخير ، وما أثمر الشيء فهو خير من ثمرته ، وهذا ظاهر المنهاج ، لابن الجوزي  فإنه قال فيه : من انفتح له طريق عمل بقلبه بدوام ذكر أو فكر : فذلك الذي لا يعدل به النية .  [ ص: 165 ] قال في الفروع : وظاهره أن العالم بالله وبصفاته أفضل من العالم بالأحكام الشرعية ; لأن العلم يشرف بشرف معلومه وبثمراته ، وقال  ابن عقيل  في خطبة كفايته : إنما تشرف العلوم بحسب مؤدياتها ، ولا أعظم من الباري فيكون العلم المؤدي إلى معرفته وما يجب له وما يجوز : أجل العلوم واختار الشيخ تقي الدين    : أن كل أحد بحسبه ، وأن الذكر بالقلب أفضل من القراءة بلا قلب  ، وهو معنى كلام ابن الجوزي  ، فإنه قال : أصوب الأمور : أن ينظر إلى ما يطهر القلب ويصفيه للذكر والأنس فيلازمه ، وقال الشيخ تقي الدين  في الرد على الرافضي بعد أن ذكر تفضيل  أحمد  للجهاد ،  والشافعي  للصلاة ،  وأبي حنيفة   ومالك  للذكر ، والتحقيق : أنه لا بد لكل واحد من الآخرين ، وقد يكون كل واحد أفضل في حال . انتهى . 
قال في الفروع : والأشهر عن  الإمام أحمد  الاعتناء بالحديث والفقه والتحريض على ذلك ، وعجب ممن احتج  بالفضيل  ، وقال : لعل  الفضيل  قد اكتفى ، وقال لا يثبط عن طلب العلم إلا جاهل ، وقال : ليس قوم خيرا من أهل الحديث ، وعاب على محدث لا يتفقه ، وقال : يعجبني أن يكون الرجل فهما في الفقه قال الشيخ تقي الدين    : قال  أحمد    : معرفة الحديث ، والفقه فيه أعجب إلي من حفظه ، وقال ابن الجوزي  في خطبة المذهب : بضاعة الفقه أربح البضائع ، والفقهاء يفهمون مراد الشارع ، ويفهمون الحكمة في كل واقع ، وفتاويهم تميز العاصي من الطائع ، وقال في كتاب العلم له : الفقه عمدة العلوم ، وقال في صيد الخاطر : الفقه عليه مدار العلوم فإن اتسع الزمان للتزيد من العلم فليكن في التفقه فإنه الأنفع ، وفيه : المهم من كل علم هو المهم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					