قال شيخنا ، وإعطاء السؤال فرض كفاية إن صدقوا ، ولهذا جاء في الحديث { لو صدق لما أفلح من رده } وقد استدل الإمام أحمد بهذا ، وأجاب بأن السائل إذا قال : أنا جائع ، وظهر صدقه ، وجب إطعامه ، وهذا من تأويل قوله تعالى { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } وإن ظهر كذبهم لم يجب إعطاؤهم ، ولو سألوا مطلقا لغير معين لم يجب إعطاؤهم ولو أقسموا ; لأن إبرار القسم إنما هو إذا أقسم على معين ، وما ذكره شيخنا من الخبر هو من حديث أبي أمامة : { لولا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم } ولم أجده في المسند والسنن الأربعة ، وإسناده ضعيف ، قال أحمد في رواية مهنا : ليس بصحيح . وإطعام الجائع ونحوه واجب ( ع ) مع أنه ليس في المال حق سوى الزكاة . وعن ابن عباس مرفوعا { إن الله تعالى لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم } وعن أبي هريرة مرفوعا { إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك } رواه ابن ماجه والترمذي وقال : حسن غريب . وعن ابن عمر في قوله { والذين يكنزون الذهب والفضة } إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال . [ ص: 593 ] رواه البخاري تعليقا ، ولمالك هذا المعنى ، وكذا عن ابن عباس رواه سعيد ، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة { ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته } وذكر عقابه . وفيهما أيضا من حديثه { من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته } وذكر عقابه وأنه يقول له { أنا مالك أنا كنزك } قال القرطبي : اتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها ، قال ( م ) يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم ، وهذا ( ع ) أيضا ، قاله القرطبي ، واختار الآجري أن في المال حقا سوى الزكاة ، وهو قول جماعة من العلماء ، قال : نحو مواساة قرابة وصلة إخوان وإعطاء سائل وإعارة محتاج دلوها ، وركوب ظهرها ، وإطراق فحلها وسقي منقطع حضر حلابها حتى يروى .
وسبق حديث جابر آخر زكاة السائمة ، فالعمل به مقتصرا عليه أولى . وقد قيل في موضع : إنه يتعين فيه المواساة ، وهذا يبطل فائدة التخصيص ، وقد قيل : إنه يحتمل أنه قبل وجوب الزكاة ، وهذا ضعيف إن كانت الزكاة مكية ، وإن كانت مدنية ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة { ومن حقها حلبها يوم ورودها } والزكاة وجبت قبل إسلام أبي هريرة بسنتين ، بلا شك ، وهذا أخص من حديثه إن صح { إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك } والله أعلم . وسبق كلام القاضي في زكاة الحلي ، وذكر القاضي عياض المالكي أن الجمهور قالوا : إن الحق أن الآية المراد بها الزكاة ، وأنه ليس في المال حق سوى الزكاة ، وما جاء غير ذلك حمل على [ ص: 594 ] الندب ، ومكارم الأخلاق ، وقيل : هي منسوخة ، قال : وذهب جماعة منهم الشعبي والحسن وطاوس وعطاء ومسروق وغيرهم إلى أنها محكمة ، وأن في المال حقا سوى الزكاة ، من فك الأسير وإطعام المضطر والمواساة في العسر وصلة القرابة ، كذا قال ، واقتصر عليه في شرح مسلم ، وهذا عجيب ، وهو غريب .


