( قوله : ومسح رقبته ) يعني بظهر اليدين لعدم استعمال بلتهما ، وقد اختلف فيه فقيل بدعة وقيل سنة ، وهو قول الفقيه أبي جعفر وبه أخذ كثير من العلماء كذا في شرح مسكين ، وفي الخلاصة الصحيح أنه أدب ، وهو بمعنى المستحب كما قدمناه ، وأما مسح الحلقوم فبدعة واستدل في فتح القدير على استحباب مسح الرقبة { أنه عليه السلام مسح ظاهر رقبته مع مسح الرأس } فاندفع به قول من زعم أنه بدعة ، وليس مراده حصر مستحبه فيما ذكر ; لأن له مستحبات كثيرة وعبر عنها بعضهم بمندوباته ، وقدمنا عدم الفرق بينهما فالذي في فتح القدير أن المندوبات نيف وعشرون ترك الإسراف والتقتير وكلام الناس والاستعانة وعن الوبري لا بأس بصب الخادم كان صلى الله عليه وسلم يصب الماء عليه والتمسح بخرقة يمسح بها موضع الاستنجاء ونزع خاتم عليه اسمه تعالى أو اسم نبيه حال الاستنجاء وكون آنيته من خزف وأن يغسل عروة الإبريق ثلاثا ووضعه على يساره ، وإن كان إناء يغترف منه فعن يمينه
ووضع يده حالة الغسل على عروته لا رأسه والتأهيل بالوضوء قبل الوقت وذكر الشهادتين عند كل عضو واستقبال القبلة في الوضوء واستصحاب النية في جميع أفعاله وتعاهد موقيه وما تحت الخاتم والذكر المحفوظ عند كل عضو وأن لا يلطم وجهه [ ص: 30 ] بالماء وإمرار اليد على الأعضاء المغسولة والتأني والدلك خصوصا في الشتاء وتجاوز حدود الوجه واليدين والرجلين ليستيقن غسلهما وقول سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين إلخ وأن يشرب فضل وضوئه مستقبلا قائما قيل ، وإن شاء قاعدا وصلاة ركعتين عقيبه وملء آنيته استعدادا وحفظ ثيابه من التقاطر والامتخاط بالشمال عند الاستنشاق ويكره باليمين وكذا إلقاء البزاق في الماء والزيادة على ثلاث في غسل الأعضاء وبالماء المشمس ا هـ .
وهنا تنبيهات :
الأول : أن الإسراف هو الاستعمال فوق الحاجة الشرعية ، وإن كان على شط نهر وقد ذكر قاضي خان تركه منا السنن ولعله الأوجه فعلى كونه مندوبا لا يكون الإسراف مكروها وعلى كونه سنة يكون مكروها تنزيها وصرح الزيلعي بكراهته وفي المبتغى أنه من المنهيات فتكون تحريمية وقد ذكر المحقق آخرا أن الزيادة على ثلاث مكروهة ، وهي من الإسراف ، وهذا إذا كان ماء نهر أو مملوكا له ، فإن كان ماء موقوفا على من يتطهر أو يتوضأ حرمت الزيادة والسرف بلا خلاف وماء المدارس من هذا القبيل ; لأنه إنما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي كذا في شرح منية المصلي ،
وقد علمت فيما قدمناه أن الزيادة على الثلاث لطمأنينة القلب أو بنية وضوء آخر لا بأس به فينبغي تقييد ما أطلقوه هنا الثاني أن ترك كلام الناس لا يكون أدبا إلا إذا لم يكن لحاجة ، فإن دعت إليه حاجة يخاف فوتها بتركه لم يكن في الكلام ترك الأدب كما في شرح المنية الثالث أن التأهب بالوضوء قبل الوقت مقيد بغير صاحب العذر وفي شرح المنية وعندي أنه من آداب الصلاة لا الوضوء ; لأنه مقصود لفعل الصلاة الرابع أن الزيلعي صرح بأن لطم الوجه بالماء مكروه فيكون تركه سنة لا أدبا الخامس أن ذكره الدلك بعد ذكره إمرار اليد على الأعضاء تكرار ; لأن الدلك كما في شرح المنية إمرار اليد على الأعضاء المغسولة ينبغي أن يزاد مع الاتكاء السادس أنه ذكر الدلك من المندوبات ، وفي الخلاصة أنه سنة عندنا السابع أنه ذكر منها ملء آنيته استعدادا ، وينبغي تقييده بما إذا لم يكن الوضوء من النهر أو الحوض ; لأن الوضوء منه أيسر من الوضوء من الإناء
الثامن : أن الأدعية المذكورة في كتب الفقه قال النووي لا أصل لها ، والذي ثبت الشهادة بعد الفراغ من الوضوء وأقره عليه السراج الهندي في التوشيح التاسع : أن منها غسل ما تحت الحاجبين والشارب لعدم الحرج ، العاشر : إن صلاة الركعتين بعد الوضوء إنما تندب إذا لم يكن وقت كراهة الحادي عشر : أن منها الجمع بين نية القلب وفعل اللسان كما في المعراج الثاني عشر : أن لا يتوضأ في المواضع النجسة ; لأن لماء الوضوء حرمة كذا في المضمرات الثالث عشر : منها أن يبدأ في غسل الوجه من أعلاه وفي مسح الرأس بمقدمه ، وفي اليد والرجل [ ص: 31 ] بأطراف الأصابع كما في المعراج الرابع عشر : منها إدخال خنصريه في صماخ أذنيه الخامس عشر : أن منها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل عضو كما في التبيين .


