( قوله : يطهر البدن والثوب بالماء ) وهذا بالإجماع وأراد به الماء المطلق ، وقد تقدم تعريفه في بحث المياه وأراد بطهارة البدن طهارته من الخبث لا من الحدث ; لأنه عطف عليه المائع الطاهر ، وإن كان الحدث يجوز إزالته بالماء . ( قوله : وبمائع مزيل كالخل وماء الورد ) قياسا على إزالتها بالماء بناء على أن الطهارة بالماء معلولة بعلة كونه قالعا لتلك النجاسة والمائع قالع فهو محصل ذلك المقصود فتحصل به الطهارة وما عن أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما قالت { جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع به قال تحته ، ثم تقرصه بالماء ، ثم تنضحه ، ثم تصلي فيه } متفق عليه فلا يدل على خلافه ; لأنه مفهوم لقب وهو ليس بحجة كما عرف في الأصول ، والحت القشر بالعود والظفر ونحوه ، والقرص بأطراف الأصابع وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد قياسا على النجاسة الحكمية وقيد بكونه مزيلا ليخرج الدهن والسمن واللبن وما أشبه ذلك ; لأن الإزالة إنما تكون بأن يخرج أجزاء النجاسة مع المزيل شيئا فشيئا ، وذلك إنما يتحقق فيما ينعصر بالعصر بخلاف الخل وماء الباقلا الذي لم يثخن فإنه مزيل وكذا الريق وعلى هذا فرعوا طهارة الثدي إذا قاء عليه الولد ، ثم رضعه حتى أزال أثر القيء وكذا إذا لحس أصبعه من نجاسة بها حتى ذهب الأثر أو شرب خمرا ، ثم تردد ريقه في فيه مرارا طهر حتى لو صلى صحت صلاته وعلى قول محمد لا تصح ولا يحكم بالطهارة بذلك ; لأنه لا يجيز إزالتها إلا بالماء المطلق ولم يقيده بالطاهر كما في الهداية للاختلاف فيه فقيل لا يشترط حتى لو غسل الثوب المتنجس بالدم ببول ما يؤكل لحمه زالت نجاسة الدم وبقية نجاسة البول فلا يمنع ما لم يفحش وصحح السرخسي أن التطهير بالبول لا يكون واختاره المحقق في فتح القدير
ووجهه أن سقوط التنجس حال كون المستعمل في المحل ضرورة التطهير وليس البول مطهرا للتضاد بين الوصفين فيتنجس بنجاسة الدم فما ازداد الثوب بهذا إلا شرا إذ يصير جميع المكان المصاب بالبول متنجسا بنجاسة الدم ، وإن لم يبق عين الدم ، وتظهر ثمرة الاختلاف أيضا فيمن حلف ما فيه دم ، وقد غسله بالبول لا يحنث على الضعيف ويحنث على الصحيح إليه أشار في النهاية وفي العناية وكذا الحكم في الماء المستعمل يعني على القول بنجاسته فقيل يزيل النجاسة والأصح لا وأما على القول بطهارته فهو مائع مزيل طاهر فيزيل النجاسة الحقيقية ، وقد صرح بكون المستعمل مزيلا القدوري في مختصره وفي النهاية إنما يتصور على رواية محمد عن أبي حنيفة ، وأما رواية أبي يوسف فهو نجس فلا يزيل النجاسة ، وقد قدمنا الكلام عليه في بحث الماء المستعمل ، ثم اعلم أن القياس يقتضي تنجس الماء بأول الملاقاة للنجاسة لكن سقط للضرورة سواء كان الثوب في إجانة وأورد الماء عليه أو كان الماء فيها وأورد الثوب المتنجس عليه عندنا فهو طاهر في المحل نجس إذا انفصل سواء تغير أو لا وهذا في الماءين بالاتفاق ، وأما الماء الثالث فهو طاهر عندهما إذا انفصل أيضا ; لأنه كان طاهرا وانفصل عن محل طاهر وعند أبي حنيفة نجس ; لأن طهارته في المحل ضرورة تطهيره ، وقد زالت ، وإنما حكم شرعا بطهارة المحل [ ص: 234 ] عند انفصاله ولا ضرورة في اعتبار الماء المنفصل طاهرا مع مخالطة النجس بخلاف الماء الرابع فإنه لم يخالطه ما هو محكوم شرعا بنجاسته في المحل فيكون طاهرا
وأما عند الشافعي فإنما سقط هذا القياس في الماء الوارد على النجاسة ، أما في الماء الذي وردت عليه النجاسة فلا يطهر عنده وعلى هذا فالأولى في غسل الثوب النجس وضعه في الإجانة من غير ماء ، ثم صب الماء عليه لا وضع الماء أولا ، ثم وضع الثوب فيه خروجا من الخلاف ولما سقط ذلك القياس عندنا مطلقا لم يفرق محمد بين تطهير الثوب النجس في الإجانة والعضو النجس بأن يغسل كلا منهما في ثلاث إجانات طاهرات أو ثلاثا في إجانة بمياه طاهرة ليخرج من الثالث طاهرا ، وقال أبو يوسف بذلك في الثوب خاصة ، أما العضو المتنجس إذا غمس في إجانات طاهرات نجس الجميع ولا يطهر بحال بل بأن يغسل في ماء جار أو يصب عليه ; لأن القياس يأبى حصول الطهارة لهما بالغسل في الأواني فسقط في الثياب للضرورة وبقي في العضو لعدمها وهذا يقتضي أنه لو كان المتنجس من الثوب موضعا صغيرا فلم يصب الماء عليه ، وإنما غسله في الإناء فإنه لا يطهر عند أبي يوسف لعدم الضرورة لتيسر الصب .
وعلى هذا جنب اغتسل في آبار ولم يكن استنجى تنجس كلها ، وإن كثرت ، وإن كان استنجى صارت فاسدة ولم يطهر عند أبي يوسف وقال محمد إن لم يكن استنجى يخرج من الثالثة طاهرا وكلها نجسة ، وإن كان استنجى يخرج من الأولى طاهرا وسائرها مستعملة ، كذا في المصفى وينبغي تقييد الاستعمال بما إذا قصد القربة عنده ، كذا في فتح القدير وقد قدمنا في بحث الماء المستعمل أنه لا يحتاج إلى قصد القربة عند محمد على الصحيح وقدمنا أن ماء البئر لا يصير مستعملا على الصحيح ; لأن الملاقي للعضو المنفصل عنه وهو قليل بالنسبة إلى ماء البئر فلا يصير ماؤها مستعملا كما أوضحناه في الخير الباقي في جواز الوضوء في الفساقي وتكلمنا عليه في شرحنا هذا فراجعه .


