في المفلس يقر بالدين لرجل قلت : أرأيت لو كان على رجل دين في الصحة ، ببينة أو بإقرار منه ، ثم أقر في مرضه بدين لوارث أو لغير وارث  ، أيتحاصون في ماله ؟ 
قال : إن أقر في مرضه بدين لوارث ، أو لذي قرابة أو لصديق ملاطف ، لم يقبل قوله إلا ببينة ، وإن كان إنما أقر في مرضه لأجنبي من الناس ، فإنه يحاص الغرماء الذين ديونهم ببينة والذين أقر لهم في الصحة ، وهو قول  مالك    . 
ولو فلس ، ولقوم عليه حق ببينة ثم أقر بعد التفليس بدين لم يقبل إقراره إلا أن تكون لهم بينة ، ولو أقر لقوم قبل التفليس تحاص الذين لهم عليه الدين ببينة . 
قلت : أرأيت إن قام عليه الغرماء ففلسوه ، فأقر لرجل بمائة دينار ولا يعلم ذلك إلا بقوله    . قال : إذا لم يكن له بينة ، أو يكون إقراره هذا قبل التفليس ، فلا شيء للذي أقر له بالدين إلا أن تكون له بينة . 
قلت : ويتحاص أهل الدين في ماله هذا دون المقر له ؟ 
قال : نعم . 
قلت وهذا قول  مالك  ؟ 
قال : نعم . 
قلت لابن القاسم    : فإن أفاد بعد ذلك مالا وقد بقي لأهل الديون بقية من دينهم أيضرب المقر له معهم    ; لأنه ليس له ههنا موضع تهمة ، إنما كانت التهمة في المال الأول ؟ 
قلت : فإن أفاد مالا بعدما فلسوه ، فلم يقم الغرماء ولا هذا المقر له على ما أفاد من المال ، حتى أقر لرجل آخر بدين  ، أيجوز إقراره له بالدين أم لا ؟ 
قال : لم أسمع من  مالك  فيه شيئا ، وأرى إقراره لهذا بالدين بعد التفليس جائزا ، إذا أقر قبل أن يقوم الغرماء  [ ص: 78 ] الأولون الذين لهم الدين ببينة ، والذين أقر لهم المفلس أولا على ما في يديه فيفلسونه ثانية ، فأرى أن هذا الآخر الذي أقر له بعد التفليس ، أولى بما في يديه من الغرماء الأولين ; لأن ما في يديه مال حادث . 
قال  سحنون    : وذلك إذا كان قد عومل بعد التفليس الأول وباع واشترى وقد قال  مالك  في المفلس إذا داين الناس بعد التفليس ، ثم فلس ثانية  فالذين داينوه بعد التفليس أولى بما في يديه من الغرماء الأولين ; لأن هذا مالهم . فإقراره فيما أفاد بعدما فلس بدين فذلك جائز عليه ، بمنزلة ما يثبت بالبينة ، وإن كان ما أفاد من المال بعد التفليس ، من صلة أو ميراث أو جناية جنيت عليه ، ضرب أهل التفليس الأول بما بقي لهم ، ومن أقر لهم في المال المفاد . 
قلت : فلم أجزت إقراره وأنت لا تجيز هبته ولا صدقته ؟ 
قال : ألا ترى أن الرجل المديان ما لم يفلس ، لو تصدق أو وهب أو أعتق  لم يجز ذلك في قول  مالك  ؟ وإن أقر لرجل بدين وعليه دين ببينة ، فإقراره جائز . 
وكذلك قال  مالك  فيما أقر به قبل التفليس ما لم يفلس . فكذلك إذا فلس ، ثم أقر بدين لرجل بعد التفليس قبل أن يفلس الثانية فإقراره جائز ، بمنزلة ما لو كان ببينة . ولا تجوز صدقته ولا هبته ولا عتقه وهو بحال ما وصفت لك من الرجل المديان إذا كان لا وفاء له . 
قلت : أرأيت إذا سجنه السلطان فأقر في السجن بدين لرجل  ، أيجوز إقراره في قول  مالك  ؟ 
قال : إذا صنع به غرماؤه هذا ، ورفعوه إلى السلطان وقاموا عليه حتى سجنوه ، فهذا وجه التفليس ، ولا يجوز إقراره بالدين ; لأن  مالكا  قال : إذا فلس فلا يجوز إقراره بالدين . 
قال : وكذلك قال  مالك    : إذا قام غرماؤه عليه على وجه التفليس ، فلا يجوز إقراره بالدين ، إلا أن تقوم بينة لمن أقر له بالدين .
قلت : ويبيع السلطان ما ظهر له من مال إذا رفع إليه أمره ، فتتوزع الغرماء فيما بينهم بالحصص ، ويسجنه في الذي بقي عليه من أموالهم ، إذا عرف منه وجه الإلداد الذي وصفت لي في قول  مالك  ؟ 
قال : نعم . 
قال  ابن وهب    : وأخبرني  إسماعيل بن عياش  قال : كان  إبراهيم النخعي  يقول في الحر يفلس : إنه لا يجوز له بيع ولا عتاقة ولا صدقة ولا اعتراف بدين ولا بشيء يفعله . وقال  الليث بن سعد  مثله . 
قال  إسماعيل بن عياش    : كان  شريح  يقضي به . 
وقال  الليث بن سعد    : وإن قضى بعض غرمائه وترك بعضا جاز له ، وإن رهن رهنا جاز له ذلك ما لم يقم به غرماؤه . وكان ابن أبي سلمة  يقول بقول  مالك  الأول ، وقول  مالك  الأول إذا تبين فلسه ولم يقم به غرماؤه ، فليس له أن يقضي بعض غرمائه ولا يرهنه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					