1302 - أخبرنا الفضل بن الحباب ، قال : حدثنا مسدد بن مسرهد ، عن يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا عوف ، قال : حدثني أبو رجاء ، قال : حدثني عمران بن حصين ، قال : كنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كنا في آخر الليل ، وقعنا تلك الوقعة - ولا وقعة أحلى عند المسافر منها - فما أيقظنا إلا حر الشمس ، فاستيقظ فلان وفلان - وكان يسميهم أبو رجاء ونسيهم عوف - ثم عمر بن الخطاب رضوان الله عليه الرابع .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ ، لأنا لا ندري ما يحدث له في النوم ، فلما استيقظ عمر رضوان الله عليه ورأى ما أصاب الناس ، وكان رجلا جليدا ، فكبر ورفع صوته بالتكبير ، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم ، فقال : لا يضير ، فارتحلوا ، وارتحل ، فسار غير بعيد ، ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ، فنودي بالصلاة فصلى بالناس ، فلما انفتل من صلاته ، فإذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم ، فقال : ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم ؟ فقال : [ ص: 125 ] يا رسول الله ، أصابتني جنابة ، ولا ماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليك بالصعيد فإنه يكفيك .
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكا الناس إليه العطش ، فنزل فدعا فلانا - وكان يسميه أبو رجاء ونسيه عوف - ودعا عليا رضوان الله عليه ، وقال : اذهبا فأتيا بالماء ، فانطلقا فاستقبلتهما امرأة بين مزادتين ، أو سطيحتين من ماء على بعير لها ، وقالا لها : أين الماء ؟ فقالت : عهدي بالماء أمس هذه الساعة ، ونفرنا خلوف ، قالا لها : انطلقي ، قالت : إلى أين ؟ قالا : إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : هذا الذي يقال له : الصابي ؟ قالا : هو الذي تعنين ، فانطلقي .
وجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستنزلوها عن بعيرها ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء ، فأفرغ فيه من أفواه المزادتين ، أو السطيحتين ، وأوكأ أفواههما ، وأطلق العزالي ، ونودي في الناس : أن استقوا واسقوا ، قال : فسقى من شاء ، واستسقى من شاء ، وكان آخر ذلك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء ، فقال : اذهب فأفرغه عليك .
قال : وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها ، قال : وايم الله ، لقد أقلع عنها حين أقلع ، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد ملئا منها حين ابتدئ فيها .
[ ص: 126 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجمعوا لها طعاما ، فجمع لها من تمر وعجوة ودقيقة وسويقة ، حتى جمعوا لها طعاما كثيرا ، وجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها ، ووضعوا الثوب الذي فيه الطعام بين يديها ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلمين والله ما رزأنا من مائك شيئا ، ولكن الله هو الذي سقانا .
فأتت أهلها وقد احتبست عنهم ، قالوا : ما حبسك يا فلانة ؟ قالت : العجب ، لقيني رجلان فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له : الصابي ، ففعل بي كذا وكذا - الذي قد كان - والله إنه لأسحر من بين هذه وهذه - وقالت بأصبعيها السبابة والوسطى ، فرفعتهما إلى السماء والأرض ، أو إنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقا . فكان المسلمون بعد يغيرون على من حولها من المشركين ، ولا يصيبون الصرم الذي هي فيهم ، قالت يوما لقومها : ما أرى هؤلاء القوم يدعونكم إلا عمدا ، فهل لكم في الإسلام ؟ فأطاعوها فدخلوا في الإسلام .
قال أبو حاتم رضي الله عنه : أبو رجاء العطاردي عمران بن تيم ، مات وهو ابن مائة وعشرين سنة .


