( و ) الثاني من المرجحات : أن يكون أحد الراويين راجحا على الآخر  في وصف يغلب على الظن صدقه فيرجح ( بالأزيد ثقة . وبفطنة ، وورع ، وعلم ، وضبط ، ولغة ، ونحو ) فكل وصف من هذه الأوصاف يرجح به على من لم يبلغه ( و ) يرجح أيضا ( بالأشهر بأحد ) الأوصاف ( السبعة ) المذكورة ، وإن لم يعلم رجحانه فيها ، فإن كونه أشهر إنما يكون في الغالب لرجحانه   ( و ) يكون الترجيح أيضا ( بالأحسن سياقا )  لأن حسن السياق دليل على رجحانه   ( و ) يكون الترجيح أيضا ( باعتماد ) الراوي ( على حفظه )  للحديث ( أو ذكره ) له ; لأن الحفظ ، والذكر لا يحتمل الاشتباه  [ ص: 641 ] بخلاف اعتماده على الخط والنسخة ، فإنهما يحتملان الاشتباه   ( و ) يرجح أيضا ( بعمله بروايته )  أي بكون الراوي علم أنه عمل برواية نفسه ; لأن من عمل بما رواه يكون أبعد من الكذب من خبر من لم يوافق عمله خبره ، ومتى وجد حديثان مرسلان - وكان الراوي لأحدهما يرسل عن العدل وعن غيره ، والراوي الآخر لا يرسل إلا عن عدل - رجح الذي راويه لا يرسل إلا عن عدل ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو لا يرسل إلا عن عدل ) . 
وكذا يرجح المباشر لما رواه من فعل ، وصاحب القصة على غيرهما ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو مباشر أو صاحب القصة ) فمثال المباشر : رواية أبي رافع    { تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة  ، وهو حلال ، وكنت السفير بينهما   } فإنها رجحت على رواية  ابن عباس    { أنه تزوجها وهو محرم   } ومثال رواية صاحب القصة : رواية ميمونة  نفسها أنها قالت { تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان   } فإن هذه الرواية مقدمة على رواية  ابن عباس  رضي الله عنهما أيضا . 
وترجح الرواية أيضا : بكون الراوي مشافها بالرواية ، وبكونه أقرب عند سماعه ، وإلى ذلك بقوله ( أو مشافها ، أو أقرب عند سماعها ) فمثال المشافهة : رواية القاسم  عن  عائشة  رضي الله تعالى عنها - وهي عمته - { أن بريرة  عتقت وزوجها عبد   } فإنها مقدمة على رواية الأسود  عنها { أنه كان حرا   } لأنه أجنبي ، ومثال رواية الأقرب عند سماعها : رواية  ابن عمر  رضي الله تعالى عنهما { أنه صلى الله عليه وسلم أفرد التلبية   } فإنها مقدمة على رواية من روى { أنه ثنى   } لأنه روي { أن  ابن عمر  كان تحت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم حين لبى   } وترجح رواية أكابر الصحابة - وهم رؤساؤهم - على غيرها على الصحيح من الروايتين ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو من أكابر الصحابة ، فيقدم الخلفاء الأربعة ) أي روايتهم على غيرها ، وذلك لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم ثم الأقرب فالأقرب منه ; لأن من قرب من إنسان كان أعلم بحاله من البعيد ; ولأن الرئيس من كل طائفة أشد تصونا وصونا لمنصبه من غيره ، وعند  ابن الحاجب  وابن مفلح  والهندي  وجمع : تقدم رواية متقدم الإسلام على متأخره ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو متقدم  [ ص: 642 ] الإسلام ) وعند  القاضي   والمجد  والطوفي    : أنهما سواء ; لأن كل واحد منهما اختص بصفة . فمتقدم الإسلام : اختص بأصالته في الإسلام ، ومتأخره : اختص بأنه لا يروي إلا آخر الأمرين ، فكانا سواء ، وقال  ابن عقيل  والأكثر : ترجح رواية متأخر الإسلام على متقدمه ; لأنه يحفظ آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا لما روى  جرير بن عبد الله البجلي    { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ، ثم توضأ ومسح على خفيه   } قال  إبراهيم النخعي    " كان يعجبهم هذا الحديث ; لأن إسلام جرير  كان بعد نزول سورة المائدة " متفق عليه ، وإنما قدمنا ما عند  ابن الحاجب  ومن وافقه ، مع كونه خلاف رأي الجمهور : تبعا لتقديمه له في التحرير ، ويقدم عند  ابن عقيل   وأبي الخطاب    : رواية من هو أكثر صحبة على غيره ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو أكثر صحبة ) زاد  أبو الخطاب    ( أو قدمت هجرته ) وقال الآمدي  وابن حمدان    ( أو مشهور النسب ) زاد الآمدي  ومن تبعه : أو غير ملتبس بضعيف ، ورد ذلك . 
ووجه الترجيح بشهرة النسب : لكثرة تحرزه عما ينقص رتبته ، ويقدم من سمع بالغا على من سمع صغيرا ، وإلى ذلك أشير بقوله ( أو سمع بالغا ) وذلك لقوة ضبطه ، وكثرة احتياطه . وللخروج من الخلاف ، فيكون الظن به أقوى ، وقد تقدم أن ترجيح الراوي يكون بما في نفسه ، وتقدم الكلام عليه . 
  ( و ) يكون بتزكيته ، فيرجح بعض الرواة على بعض ( بكثرة مزكين و ) إن استووا في الكثرة رجح ( بأعدليتهم )  ، ( و ) إن استووا في الأعدلية رجح ( بأوثقيتهم . و ) الشيء الثاني في الرواية فيقدم حديث ( مسند على ) حديث ( مرسل )  عند جماهير العلماء ; لأن فيه مزية الإسناد ، فيقدم بها ، ولأن المرسل قد يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم مجهول ، ولأنه مختلف في كونه حجة ، والمسند متفق على حجيته ، وكذا كل متفق عليه مع كل مختلف فيه من جنسه . 
  ( و ) يقدم ( مرسل تابعي على ) مرسل ( غيره )  لأن الظاهر أنه رواه عن صحابي   ( و ) يرجح أحد المسندين ( بالأعلى إسنادا ) منهما  ، والمراد به : قلة عدد الطبقات إلى منتهاه . فيرجح على ما كان أكثر ; لقلة احتمال الخطإ بقلة الوسائط ، ولهذا رغب الحفاظ  [ ص: 643 ] في علو السند . فلم يزالوا يتفاخرون به   ( و ) يرجح حديث ( معنعن ) أي : متصل بقول الراوي " حدثني فلان عن فلان عن فلان " إلى أن يبلغ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( على ما ) أي : على حديث ( أسند ) بالبناء للمفعول ( إلى كتاب محدث ) من كتب المحدثين    ( وكتابه ) أي ويرجح ما بكتاب محدث مسند ( على ) كتاب ( مشهور بلا نكير )  لكنه غير مسند   ( و ) يرجح ( الشيخان ) أي : ما اتفق  البخاري   ومسلم  على روايته في كتابيهما ( على ) ما في كتب ( غيرهما )  من المحدثين ; لأنهما أصح الكتب بعد القرآن ، لاتفاق الأمة على تلقيهما بالقبول حتى قال الشيخ تقي الدين   وابن الصلاح  ، والأستاذ أبو إسحاق    : إن ما فيهما مقطوع بصحته ، وخالف النووي    ; لقول الأكثر : إن خبر الآحاد لا يفيد إلا الظن ، ولا يلزم من اتفاق الأمة على العمل بهما : إجماعهم على أن ما فيهما مقطوع بصحته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (  فالبخاري  ،  فمسلم    ) يعني ثم يرجح ما انفرد به  البخاري  على ما انفرد به  مسلم    ( فما صحح ) ثم يرجح بعد ذلك ما صحح من الأحاديث على ما لم يصحح ، وتختلف مراتب ذلك . فيرجح ما كان على شرط الشيخين ، ثم ما على شرط  البخاري  ، ثم ما على شرط  مسلم    . كما فصل ذلك  الحاكم  في مستدركه ، ثم بعد ذلك ما صحح وليس على شرط واحد من الشيخين ( فمرفوع ، ومتصل على موقوف ، ومنقطع ) يعني ثم يقدم بعد ذلك الحديث المرفوع ; لمزيته برفعه على الحديث الموقوف ، ويقدم الحديث المتصل لمزيته بالاتصال على الحديث المنقطع ( و ) حديث ( متفق على رفعه ، أو ) على ( وصله : على ) حديث ( مختلف فيه )  أي في رفعه أو في وصله ; لأن للمتفق عليه مزية على المختلف فيه   ( و ) تقدم ( رواية متفقة ) أي لم يختلف لفظها ولا معناها ولا مضطربة ( على ) رواية ( مختلفة أو مضطربة )  مطلقا على الصحيح . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					