الثاني : المشهور أن الكذب الخبر المخالف للمخبر عنه ماضيا كان أو مستقبلا  ، خلافا  لأبي القاسم الزجاجي  في كتاب الأذكار بالمسائل النحوية " ،  ولابن قتيبة  ، حيث خصا الكذب بما مضى ، وأما المستقبل فيقال له : خلف ، ولا يقال له : كذب . لنا قوله تعالى حكاية عن الذين نافقوا : { لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون    } وكذبهم في خبرهم عن المستقبل ، وكذا قوله : { ولو ترى إذ وقفوا على النار    } إلى قوله : { وإنهم لكاذبون    } وفي صحيح  مسلم  عن  جابر    : { أن عبدا  لحاطب  جاء يشكوا  حاطبا  ، فقال : يا رسول الله ليدخلن  حاطب  النار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبت لا يدخلها ، فإنه شهد بدرا  والحديبية    } ، وفي جانب الصدق قوله عليه السلام { أفلح وأبيه إن صدق   } فاستعمل الصدق في الخبر عن المستقبل ، فالحق أنه يوصف بهما ماضيا ومستقبلا ، لكن له وصف خاص ، وهو الخلف والوفاء .  [ ص: 79 ] وادعى بعضهم أن كلام  الشافعي  يفهم أن الكذب يختص بالماضي إذ قال : لا يجب الوفاء بالوعد ، وضعف سؤال من قال لصاحبه : غدا أعطيك درهما ، ثم لم يفعل كان كاذبا ، والكذب حرام ، فكيف لا يوجبون الوفاء بالوعد ؟ فقال : والحالة هذه آية أنه حاكم على أمر مستقبل ، ولا كذب فيه ، والوعد إنشاء لا خبر ، وإنما يسمى من لم يف بالوعد مخلفا لا كاذبا ، ولهذا قال عليه السلام في حق المنافق : { إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف   } ، فسماه مخلفا ، لا كاذبا ، ولو كان الإخلاف كذبا دخل تحت عموم { إذا حدث كذب   } . وقد يقال : إذا لم يدخله الكذب ، لا يكون خبرا ; لأن الخبر ما يفيد الكذب . والظاهر أن الخبر يتعلق بالمستقبل ، كما تقول : سيخرج الدجال ، ويصح فيه التصديق والتكذيب ، والوعد إنشاء لا خبر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					