الثالث : أن قولهم : الخبر ما يحتمل الصدق والكذب ، هل هو خاص بالكلام الذي له خارج عن كلام النفس أم يجري في لفظ " خ ب ر "  ؟ وقد اضطرب كلام الفقهاء في الثاني ، فجعلوه في مواضع كثيرة مخصوصا بالصدق ، ولهذا لو قال : إن لم تخبريني بعدد هذا النوى فأنت طالق ، ولم يكن قصده التمييز ، فلا يكتفي بأي عدد كان ، إن كان المعلق عليه لفظ الإخبار ، ويوافقه قول الماوردي  في الحاوي " : أنه لا فرق بين البشارة والخبر ، فيما إذا علق الطلاق عليه في أنه يعتبر الصدق في وقوع الطلاق فيهما ، وما ذكره في البشارة صحيح ، وأما في الخبر فكلامهم مختلف فيه ، فقد قالوا فيما لو قال : إن لم تخبريني بمجيء زيد ، فأنت طالق ، فأخبرته بمجيئه كاذبة  أنها لا تطلق ; لوجود الإخبار بقدومه ، وهو لا يشترط فيه المطابقة . 
ولو  [ ص: 80 ] قال : من أخبرتني منكما بكذا فهي طالق ، فأخبرتاه صدقتا أو كذبتا  طلقتا ، وجعل الفوراني  الخبر للصدق فقط إذا قرن بحرف الباء ; لأنه للإلصاق ، فيقتضي وجود المخبر به حتى يلصق به الخبر ، فإذا قال : إن أخبرتني أن فلانا قدم فعبدي حر ، فأخبره صادقا أو كاذبا  ، عتق العبد ، ولو قال : إن أخبرتني بقدوم فلان فعبدي حر ، فأخبره كاذبا  لا يحنث عند الفوراني  وخالفه الجمهور ، وفي فتاوى القفال    " لو قال رجل لآخر : إن أخبرتني بخروج فلان من هذا البلد ، فلك عشرة دراهم ، فأخبره هل يستحق العشرة  ؟ نظر ، إن كان له غرض في خروجه من البلد استحق ، وإلا فلا ، والنكتة في الجعالة ، فقد حكاه عنه الرافعي  ثم بحث معه في شيئين : أحدهما : أنه هل يتقيد الخبر بالصدق ؟ فلو كان كاذبا ينبغي أن لا يستحق شيئا ; لانتفاء المعنى الذي علل به . قلت    : ولعل القفال  يخص ذلك بحالة وجود الباء ، كما حكيناه عن تلميذه الفوراني  ، والثاني : ينبغي أن ينظر هل يناله تعب أم لا ؟ قلت    : وقد حكى النووي  في الروضة " من زوائده قبل هذا تصريح البغوي  أنه لو قال : من أخبرني بكذا ، فله كذا ، فأخبره إنسان فلا شيء  [ ص: 81 ] له ; لأنه لا يحتاج فيه إلى عمل . ا هـ . فجعل هذا من زوائده ، وأقر الرافعي  على البحث الثاني هناك ، ويتحصل في المسألة مذاهب ثالثها : إن اقترن بالباء وإلا فلا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					