الثالثة : أن هذا العلم ضروري لا نظري ، ولا حاجة معه إلى كسب  كما نقله القاضي  في التقريب " عن الكل من الفقهاء والمتكلمين ، وبه قال ابن عبدان  في شرائط الأحكام ، وابن الصباغ    . وقال  ابن فورك    : إنه الصحيح . وقال أبو الطيب    : إنه الصحيح المشهور . 
وقال سليم    : إنه قول الكافة ، إلا البلخي    . واختاره الإمام الرازي  وأتباعه ،  وابن الحاجب    . وقال صاحب الواضح " : إنه قول عامة متكلمينا ، ونقله في المعتمد " عن الجبائي   وأبي هاشم    . وذهب  الكعبي  إلى أنه مستثنى مفتقر إلى تقدم استدلال ، ويثمر علما نظريا كغيره من العلوم النظرية ، ووافقه أبو الحسين البصري  وابن القطان  كما رأيته في كتابه ، ونقله  القاضي أبو الطيب  عن الدقاق    . ونقله الإمام فخر الدين  عن الغزالي  ، والذي في المستصفى " أنه ضروري بمعنى أنه لا يحتاج إلى حصوله إلى الشعور بتوسط واسطة  [ ص: 106 ] مفضية إليه مع أن الواسطة حاضرة في الذهن ، وليس ضروريا بمعنى أنه حاصل من غير واسطة ، كقولنا : القديم لا يكون محدثا ، والموجود لا يكون معدوما ، فإنه لا بد فيه من حصول مقدمتين في النفس : عدم اجتماع هذا الجمع على الكذب ، واتفاقهم على الإخبار عن هذه الواقعة . وهذا الذي ذكره الغزالي  يقرب منه قول إمام الحرمين    : إنه قد كثر الطاعن على قول  الكعبي  إنه نظري ، والذي أراه تنزيل مذهبه عند كثرة المخبرين على النظر في ثبوت أمارات جامعة وانتفائها ، فلم يعن الرجل نظرا عقليا ، وفكرا سبريا على مقدمات ونتائج ، فليس ما ذكره إلا الحق ، وتبعه ابن القشيري  ، وإذا تبين توارد إمام الحرمين  وتلميذه على ذلك ، وتنزيل مذهب  الكعبي  عليه ، لم يبق خلاف . وقال إلكيا    : ما ذكره  الكعبي  يرجع إلى سبب العلم ، يعني أن العلم لم يحصل ، وليس الخلاف في هذا ، إنما الخلاف في أن الخبر إذا حصل بشرائطه هل يوجب العلم من غير نظر  ؟ واعلم أن  الكعبي  لا يجوز أن يخالف في هذا ، فإنا نرى العلم يحصل للنساء والصبيان من غير نظر ، وإلا  فالكعبي  لا ينكر المحسوس ويقول : لم أعلم البلاد الغائبة إلا بالنظر ، وما كان ضروريا يعلم ضرورة ; لأنه لا يربط النظر . 
قال : وقاضينا  أبو بكر  يقول : أعلم أن العلم ضرورة ، وأعلم بالنظر أنه ضروري ، فجعل العلم به بالنظر يدرك ، والمعلوم الثاني وهو صدق المخبرين مدركا بالنظر ووجه النظر تيسير مدارك البحث الذي يظن المخالف أنه يتطرق منه إلى العلم ، وإذن بطل تعين كونه مدركا بالضرورة ، وهذا بعيد ، فإنه يلزم مثله في العلم باستحالة اجتماع الضدين ، فبطل ما رآه القاضي  ، وصح ما قلناه من أن  الكعبي  إنما ادعى النظر في السبب الأول ، لا في العلم بصدق المخبرين . ا هـ .  [ ص: 107 ] 
ويدل له أن ابن القطان  احتج على أنه ليس ضروريا بأن العلم به لا يزيد المعجزة ، ونحن لم نعلمها إلا بالاستدلال ، فكذا الخبر . وفي المسألة مذهب ثالث : وهو أنه بين المكتسب والضروري ، وهو أقوى من المكتسب ، وليس في قوة الضروري . قاله صاحب الكبريت الأحمر " . ورابع : وهو الوقف ذهب إليه الشريف المرتضى    . وقال صاحب المصادر " : إنه الصحيح . واختاره الآمدي  ، وإذا قلنا بأنه نظري ، فهو بطريق التوليد عند القائلين به ، وإلا ففيه خلاف عندهم ; لترتبه على فعل اختياري ، ووجه الآخر القياس على سائر الضروريات . 
				
						
						
