[ أمور أخرى لا تشترط في الرواة    ] ولا يشترط أن يكون عالما بالعربية ، ولا علمه بما رواه ، ولا بكونه لا يدري المراد به كالأعجمي ; لأن جهله بمعنى الكلام لا يمنع من ضبطه للحديث ، ولهذا يمكنه حفظ القرآن ، وإن لم يعرف معناه . كما لا يرد بكونه لم يرو غير القليل ، كالحديث والحديثين ، ولا بكونه لا يعرف مجالسة أهل العلم ولا بطلبه ; لأنه لا يقدح في صدقه . قاله  القاضي عبد الوهاب    . قال : وإذا كان الراوي مختلفا في اسمه إلا أن له كنية أو لقبا يعرف به فلا يرد بذلك خبره ; لأنه به يعرف ويخرج عن الجهالة ، ونقل في موضع آخر عن  مالك  اشتراط معرفته بهذا الشأن . قال : وعني به معرفة الرجال  [ ص: 214 ] والرواة ، وأن يعرف ، هل زيد في الحديث بنفي ، أو نقص منه ؟ والصحيح ، قبول رواية من صحت روايته ولو لم يعن بهذا الشأن ، وبه جزم إلكيا الطبري  وغيره . قال : ولكن يرجح عليه رواية من اعتنى بالروايات . ولا يشترط كونه أجنبيا ، فلو روى خبرا ينفع به نفسه أو ولده قبل ، فإنه إنما يرجع نفعه إليه ، ثم بعد موته يصير شرعا ، وهو لا يختص بأحد . قالهإلكيا الطبري  ، ولا يشترط أن يقول : سمعت ، ولا أخبرنا خلافا للظاهرية  ، أو من ذهب منهم إلى أنه لا يقبل الحديث إلا إذا قال راوية : سمعت أو أخبرنا حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحكاه أبو العباس بن سريج  في كتاب " الإعذار الراد كتاب الإنذار " ثم قال : وهذا يقتضي رد أكثر الأحاديث إذ ليس فيها ذلك ، وخاف إن قيل فلان عن فلان قبول المرسل ، وذهب عن العرف ; لأن الناس استثقلوا : أخبرنا ، وسمعت ، فأقاموا " عن " مقامهما لأنها ألحقت الخبر بالمخبر . ا هـ . 
ولا يشترط أن يحلف على روايته ، وعن  علي بن أبي طالب  كرم الله وجهه أنه كان يرهب الراوي الثقة ، حتى يحلف على خبره . وحكاه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني    . ولا يشترط الاجتماع بالراوي في كل رواية ، بل يكفي مجرد الاجتماع  [ ص: 215 ] ولو مرة واحدة ، واشترط  البخاري  الأول ، ونقله مسلم بن الحجاج  في كتابه ، وقال : لا أصل له في أفعال السلف  والخلف ، ولا يشترط العدد ، ونقلوا عن الجبائي  أنه اشترط في قبول الخبر رواية اثنين ، وشرط على الاثنين اثنين حتى ينتهي الخبر إلى السامع ، وذكر  القاضي أبو الطيب  أنه زعم أنه مذهب  الصديق  ،  وعمر  رضي الله عنهما ، لطلبهما الزيادة في الرواة ، ونقل إلكيا الطبري  عنه تعليل ذلك فإنا لو لم نقل ذلك تضاعفت الأعداد ، حتى يخرج عن الحصر . كما يقال ذلك في تضعيف أعداد بيوت الشطرنج ، قال : ولا يتجه له اعتبار ذلك بالشهادة ، لقيام الفرق بينهما في أمور كثيرة ، فلعله اعتمد في ذلك على أخبار صحت عن  الصديق   والفاروق  في التماس شاهد آخر مع الراوي الواحد ، كقول  الصديق  للمغيرة    : من شهد معه ؟ وقول  عمر الفاروق  لأبي موسى   [ ص: 216 ] مثله ، وهو باطل ، فإنه لا خفاء في قبول الصحابي رواية  الصديق  وحده ، ورواية جلة الصحابة ، إلا أنه طلب في بعض الأحوال مزيد استقصائهم لريب اعتراهم في خصوص أحواله ، كإحلاف علي بعض الرواة . ا هـ . 
واعلم أن أثبت منقول عن أبي علي الجبائي  في ذلك ما نقله عنه أبو الحسين البصري  في " المعتمد " فقال : قال أبو علي    : إذا روى اثنان خبرا وجب العمل به ، وإن رواه واحد فقط لم يجز إلا بشرط أن يعضده ظاهر ، أو عمل بعض الصحابة به أو اجتهاد ، أو يكون منتشرا . وحكى  القاضي عبد الجبار  عنه أنه لم يقبل في الزنا إلا خبر أربعة ، كالشهادة عليه ، ولم يقبل شهادة القابلة الواحدة . ا هـ . والحاصل أنه لا يرد رواية الواحد مطلقا ، بل يعتبر مع ذلك عاضدا له ، ويقوم العاضد مقام الراوي الآخر . وهذا نقله صاحب " الكبريت " عنه ، وهم أعرف بمذهبه . قلت    : ولا نظن أن ما نقل أولا عن الجبائي  هو مذهب  البخاري  ، فإن  الحاكم  ذكر أن  البخاري  في صحيحه اشترط رواية عدلين عن عدلين متصلة ، أنكر ذلك على  الحاكم    . قال ابن الجوزي  وغيره : هذا غير صحيح منه ، وقد ظن ذلك ولم يصب . وأيضا فذلك احتياط منه لا اشتراط في العمل به .  [ ص: 217 ] وحكى الروياني  في " البحر "  وابن الأثير  في ، جامع الأصول " ، أن بعضهم اشترط أربعة عن أربعة إلى أن ينتهي الإسناد ، وقال  الأستاذ أبو منصور    : منهم من شرط خبر الاثنين عن اثنين في كل عصر إلى أن يتصل بأصله ، وهو قول الجبائي    . ومنهم من اعتبر رواية ثلاثة عن ثلاثة في كل عصر . ومنهم من اعتبر أربعة ، ومنهم من اعتبر خمسة . ومنهم من اعتبر سبعة ، ومنهم من اعتبر عشرين . ومنهم من اعتبر سبعين ، وهذا غريب وإنما قيل ببعضه في المتواتر . 
				
						
						
