مسألة [ رد الحديث بعمل أهل المدينة     ] ولا يضره عمل أهل المدينة  بخلافه خلافا  لمالك  ، ولهذا لم يقل بخيار المجلس مع أنه الراوي له . قال  القرطبي    : وإذا فسر عملهم بالمنقول تواترا  [ ص: 254 ] كالأذان والإقامة والمد والصاع ، فينبغي أن لا يقع فيه خلاف ، لانعقاد الإجماع على أنه لا يعمل بالمظنون إذا عارضه قاطع . وقال الإبياري    : هذا له صور : أحدها : أن يكون الخبر بلغهم ، فقد وافق الإمام على سقوط الخبر فيه . وثانيها : أن يثبت عندنا أنه لم يبلغهم ، فلا يحل لأحد في مثل هذه الصورة أن يترك الخبر ، وهو لو بلغهم لما خالفوه . وثالثها : أن نجد عملهم على خلاف الخبر ، ولم يتحقق البلوغ ولا انتفاؤه ، فالظاهر من قول  مالك  أن الخبر متروك بناء منه على أن الغالب أن الخبر لا يخفى عليهم ، لقرب ديارهم في زمانهم ، وكثرة بحثهم ، وشدة اعتنائهم بحفظ أدلة الشرع ، فيقع في قسم ما إذا ظننا بلوغ الخبر ، ولم نقطع به . وقد اخترنا في هذه الصورة سقوط التمسك بالخبر ، ولزوم التمسك بالفعل ، على أن هذه المسألة اختلف فيها قول  مالك  ، وروى حديث { البينة على المدعي واليمين على من أنكر   } . 
وقال الفقهاء السبعة : لا يتوجه اليمين إلا بمعاملة أو مخالطة ، وهذا مشهور مذهب  مالك  ، وله قول آخر في تعميم موجب اليمين على حسب ما اقتضاه الظاهر . وقال إمام الحرمين  في باب التراجيح : إن تحقق بلوغه لهم ، وخالفوه  [ ص: 255 ] مع العلم به دل على نسخه ، وليس ذلك تقديما لأقضيتهم على الخبر ، بل هو تمسك بالإجماع على وجوب حمله على وجه ممكن من الصواب ، فكان تعلقا بالإجماع في معارضة الحديث ، وإن لم يبلغهم أو غلب على الظن أنه لم يبلغهم ، فالتعلق حينئذ واجب ، وظني بدقة نظر  الشافعي  في أصول الشريعة أنه يقدم الخبر في مثل هذه الصورة . وإن غلب على الظن أنه بلغهم وتحققنا مخالفة عملهم له ، فهذا مقام التوقف ، فإن لم نجد في الواقعة سوى الخبر والأقضية تعلقنا بالخبر ، وإن وجدنا غيره تعين التعلق به . قال : ومن بديع ما ينبغي أن يتنبه له أن مذاهب أئمة الصحابة إذا نقلت من غير إجماع لا يتعلق بها ، فإذا نقلت في معارضة خبر نص على المخالفة تعلقنا بها ، وليس هو في الحقيقة تعلق بالمذاهب ، بل بما صدرت عنه مذاهبهم . قال : وما ذكرناه في أئمة الصحابة يطرد في أئمة التابعين ، وفي أئمة كل عصر ما لم يوقف على خبر . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					