الركن الرابع [ المكلف به ] وله شروط [ شروط المكلف به    ] 
أحدها : أن يكون معدوما من حيث هو يمكن حدوثه ، إذ إيجاد الموجود تحصيل الحاصل ، وليس المراد العدم الأصلي ، إذ يستحيل أن يكون أثرا للقدرة . 
ثانيها : أن يكون حاصلا بكسب المكلف ، فلا يصح أمر زيد بكتابة عمرو ، ولا يعترض على هذا بإلزام العاقلة دية خطأ وليها ، لأن ذلك من باب ربط الحكم بالسبب . 
ثالثها : أن يكون معلوما والمخالف فيه أبو العباس بن سريج    . قال الرافعي  في أول كتاب الفرائض : ذهب ابن سريج  إلى أنه كان يجب على  [ ص: 109 ] المحتضر أن يوصي لكل أحد من الورثة بما في علم الله تعالى من الفرائض ، وكان من يوفق لذلك مصيبا ومن تعداه مخطئا . 
قال الإمام    : وهذا زلل لا يجوز مثله في الشرائع فإنه تكليف على عمائه . 
رابعها : أن يكون بالفعل ، والمكلف به في النهي الكف والكف فعل الإنسان داخل تحت كسبه يؤجر عليه ويعاقب على تركه ، وقال بعضهم : الترك نفي محض لا يدخل تحت التكليف ولا الكسب ، وهو ضعيف ، وفي الحديث الصحيح : { تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك   } نعم . لا يحصل الثواب على الكف إلا مع النية والقصد دون الغفلة والذهول . 
خامسها : أن يكون مقدورا له على خلاف في هذا الشرط ، وهذه مسألة تكليف ما لا يطاق  ، وبعضهم ترجمها بالتكليف بالمحال ، ولا بد من تحقيقها . 
فنقول : اعلم أن المعدوم إما ممكن أو واجب أو ممتنع ، فالممكن ما استوت نسبته إلى الوجود والعدم فيحتاج في وجوده إلى مرجح ومخصص ، والواجب ما ترجح وجوده على عدمه والممتنع ما ترجح عدمه على وجوده ، ثم كل واحد من الواجب والممتنع إما أن يكون وجوبه أو امتناعه لذاته أو لغيره ، فالواجب لا لذاته ما توقف وجوده على سبب خارج عن ذاته كسائر الموجودات حال وجودها ، والممتنع لذاته ، كالجمع بين  [ ص: 110 ] الضدين ، والممتنع لغيره كتعلق العلم القديم أن فلانا يموت كافرا وهو أمثال المشهور في هذا الباب . فإذن المحال ضربان : محال لذاته ومحال لغيره  ، والخلاف موجود فيهما . 
ويطلقه الأصوليون والمتكلمون على أربعة معان : أحدها : ما لا يعقل على حال ، وهو المستحيل لذاته كالجمع بين الضدين وقلب الأجناس ، وإعدام القديم ، وإيجاد الموجود . 
الثاني : على ما لا يدخل تحت مقدور البشر ، وإن كان ممكنا في نفسه كخلق الجواهر والأعراض ، فإنه لا يدخل تحت القدرة الحادثة وإلا لما أدركوا من أنفسهم عجزا عنه . 
الثالث : ما لا يقدر العباد عليه في العادة وإن كان من جنس مقدورهم ، كالطيران في الهواء ، والمشي على الماء . 
الرابع : على جنس المقدور في العادة ولكن لم يخلق الله للعبد قدرة عليه ، ومن هذا جميع الطاعات التي لم تقع ، والمعاصي الواقعة ، فإن الله تعالى لم يقدر العاصي على ترك المعصية ، ولا الممتنع من الطاعة على فعلها . ومنهم من زاد قسما آخر ، وهو تكليف القاعد القيام والقائم القعود بناء على أن القدرة مع الفعل ، وهذا راجع إلى عدم القدرة .  [ ص: 111 ] 
إذا علمت هذا فالنظر في شيئين أحدهما : الجواز العقلي ، والثاني : الوقوع . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					