[ ص: 228 ] مباحث اللغة  
وإنما ذكرناها في أصول الفقه لأن معظم نظر الأصولي في دلالات الصيغ ، كالحقيقة والمجاز ، والعموم والخصوص ، وأحكام الأمر والنهي ، ودليل الخطاب ومفهومه . 
فاحتاج إلى النظر في ذلك تكميلا للنظر في الأصول ، ونسمه بمقدمتين : 
إحداهما : تعلم اللغة فرض كفاية . 
قال أبو الحسين بن فارس    : تعلم علم اللغة واجب على أهل العلم لئلا يحيدوا في تأليفهم أو فتياهم عن سنن الاستقراء . 
قال : وكذلك الحاجة إلى علم العربية فإن الإعراب هو الفارق بين المعاني ، ألا ترى إذا قلت : ما أحسن زيد لم تفرق بين التعجب والاستفهام والنفي إلا بالإعراب ؟ . ونازع الإمام فخر الدين  في شرح المفصل " في كونهما فرض كفاية ، لأن فرض الكفاية إذا قام به واحد سقط عن الباقين . 
قال : واللغة والنحو ليس كذلك ، بل يجب في كل عصر أن يقوم به قوم يبلغون حد التواتر ، لأن معرفة الشرع لا تحصل إلا بواسطة معرفة اللغة والنحو ، والعلم بهما لا يحصل إلا بالنقل المتواتر ، فإنه لو انتهى النقل فيه إلى حد الآحاد لصار الاستدلال على جملة الشرع استدلالا بخبر الواحد ، فحينئذ يصير الشرع مظنونا لا مقطوعا ، وذلك غير جائز . 
الثانية : نبه الإبياري  في كلام له على شيء ينبغي معرفته هنا ، وهو  [ ص: 229 ] أن الأصولي إنما احتاج إلى معرفة الأوضاع اللغوية ليفهم الأحكام الشرعية وإلا فلا حاجة بالأصولي إلى معرفة ما لا يتعلق بالأحكام والألفاظ ، وإذا كان كذلك افتقرنا إلى تقديم أمر آخر ، وهو أن الشرع هل له تصرف في اللغة أم لا  ؟ فإن ثبت عدم التصرف اكتفى الأصولي بمعرفة وضع اللغة ، فإن ذلك مقنع في معرفة الأحكام ، وإن ثبت تصرف الشرع اكتفى الأصولي بمعرفة وضع الشرع للاسم ولا يحتاج معه إلى معرفة اللغة في ذلك اللفظ ، وإن عرف وضع اللغة والتبس عليه هل للشرع تصرف في الاسم أم لا ؟ لم يجز له الحكم بوضع اللغة حتى يستقر له وضع الشرع ، ولهذا إن الفقهاء قل ما يتكلمون على الألفاظ باعتبار وضع اللغة ، لأنهم يرون تصرف الشرع في الأسماء فتراهم يجنحون إلى الإجماع وغيره ، وهم في ذلك على بصيرة أن عرف الشرع مكتفى به ومضاف إليه ، وعرف اللغة على هذا التقدير عند احتمال التغيير لا يفيد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					