مسألة   [ الاشتقاق من المعنى القائم بالشيء ] في المعنى القائم بالشيء هل يجب أن يشتق لمحله منه اسم  ؟ 
قال الرازي    : إن لم يكن لذلك المعنى اسم كأنواع الروائح والآلام استحال أن يشتق لمحله منه اسم بالضرورة ، وإن كان له اسم ففيه مقامان : 
أحدها : هل يجب أن يشتق اسم لها منها ؟ الظاهر من مذهب أئمتنا المتكلمين  وجوبه ، فإن المعتزلة  لما قالوا :  [ ص: 351 ] إن الله يخلق كلامه في جسم . قال أصحابنا لهم : لو كان كذلك لوجب أن يشتق من ذلك اسم المتكلم من ذلك الكلام ، وعند المعتزلة  غير واجب . 
وثانيهما : أنه إذا لم يشتق لمحله منه اسم ، فهل يجوز أن يشتق لغير ذلك المحل منه اسم ؟ فعند أصحابنا : لا ، وعند المعتزلة  نعم ، لأن الله تعالى يسمى متكلما بالاتفاق ، وهو اسم مشتق من الكلام . 
ثم إن الأشاعرة  أطلقوا على الله ما منه الاشتقاق قائم بذاته الكريمة ، وهو الكلام النفسي ، ولا يطلقون ذلك على من لم يقم به الكلام النفسي ، وأما المعتزلة  فإنهم يطلقون اسم المتكلم على الله باعتبار خلقه للكلام في اللوح أو في غيره ، ولا يعترفون بالكلام النفسي ، فإذن اسم المتكلم صادق على الله ، ولم يقم بذات الله الكلام ، ويسمى متكلما ، وما قام به لا يسمى متكلما . هذا حاصل ما قاله ، ثم إنه مال إلى مذهب المعتزلة  ، وقال ليس من شرط المشتق منه قيامه بمن له الاشتقاق . إذ الكي والحداد ونحوهما مشتقة من أمور يمتنع قيامها بمن له الاشتقاق . 
ورد ما قاله بأن الأصحاب إنما ادعوا ذلك في المشتقات من المصادر التي هي أسماء المعاني وما ذكره مشتق من الزوائد وأسماء الأعيان فلا يرد عليهم . 
وقال القرافي    : هذه الأشياء أجسام ، والكلام في المعاني لا في الأجسام ، وهذا يوجب تخصيص المسألة بالمصادر ذات المعاني .  [ ص: 352 ] 
وقال الجزري    : إن النقص بهذه إنما ورد على قول الأصحاب : إن المعنى إذا لم يقم بالمحل لم يشتق له منه اسم ، فقيل : هذه الأشياء لم تقم بمحالها ، وقد اشتق منها أسماء . وإنما كان كذلك ، لأن الأجسام لا لبس في عدم قيامها بمحال الأسماء ، ولا كانت المعاني يصح قيامها بالمحال التي أخذت لها منها الأسماء فإذا أطلقت على غير محالها التبس الأمر فيه . 
قال : ولو قيل : إن المراد بهذه الأشياء إنما هي النسب ، وهي موجودة بالمحال ، فمن النسبة أخذت الأسماء لا من المنتسب إليه ، كان له وجه . قلت    : وكأن كلام الأصحاب على إطلاقه . 
وقال إمام الحرمين  في الرسالة النظامية : ظن من لم يحصل علم هذا الباب أن المعتزلة  وصفوا الرب تعالى بكونه متكلما ، وزعموا أن كلامه مخلوق وليس هذا مذهب القوم ، بل حقيقة معتقدهم : أن الكلام فعل من أفعال الله كخلقه الجواهر وأعراضها ، فلا يرجع إلى حقيقته وجود حكم من أحكام الكلام ، فمحصول أصلهم : أنه ليس لله كلام ، وليس قائلا آمرا ناهيا ، وإنما يخلق أصواتا في جسم من الأجسام دال على إرادته . ا هـ . 
وعلى هذا فتنسلخ هذه المسألة من هذا الطراز ، ولننبه أن هذه المسألة هكذا من بحث اللغات لم تنقل عن المعتزلة  ، ثم لا يمكنهم اطراد ذلك في كل موضع وإلا لكان جهلا بالموضوعات اللغوية وخروجا عن العقل ، وإنما  [ ص: 353 ] ألجأهم إلى القول به هنا أن الكلام النفسي عندهم مستحيل ، واللفظي كذلك ، وإلا لزم أن يكون ذاته محلا للحوادث ، والاتفاق على أنه سبحانه وتعالى متكلم ، فاحتاجوا إلى أن قالوا : سمي متكلما ، لكونه يخلق الكلام في جسم ، أخذ من اعتقادهم هذا جواز اشتقاق الفاعل لشيء والفعل قائم بغيره ، والحق : أن ذلك غير لازم ، لأن لازم المذهب ليس بمذهب ، فلا ينبغي أن تورد المسألة هكذا . فائدة 
قد يخرج على قولهم لا يشتق اسم الفاعل لشيء والفعل قائم بغيره : ما لو حلف لا يفعل كذا ، فوكل من يفعله  لا يحنث ، لأن الفعل لم يقع منه فلا يسمى فاعلا ، وكذا لو وكل بالبيع والطلاق ثم قال : والله ، لست ببائع ولا مطلق هل يحنث ؟  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					