[ اختلاف الأصوليين في تحديد مذهب الصيرفي    ] 
وإنما حكيت كلام الصيرفي  بنصه لعزة وجود هذا الكتاب ، ولأنه قد وقع أغلاط لجماعة من الأكابر في النقل عنه ، فأردت الاستظهار في ذلك ، وبيانه بأمور : 
أحدها : قالوا : إن قول الصيرفي    : يجوز التمسك بالعام ابتداء من غير طلب المخصص  يحتمل معنيين ; أحدهما : أنه يجب على المجتهد أن يظن عمومه إذ ذاك ، إذ ليس من شرطه حكما والتمسك بالدليل أن يكون قاطعا بمقتضى الدليل الذي تمسك به . والثاني : أنه يجب عليه أن يقطع بعمومه إذ ذاك ، لكن صرح إمام الحرمين  وغيره بالاحتمال الثاني نقلا عنه ، فأغلظ القول عليه . 
قلت    : وكذلك  القاضي أبو الطيب الطبري  نصب خلاف الصيرفي  في وجوب اعتقاد العموم ، وكذلك ابن برهان  في " الأوسط " وسليم الرازي  في " التقريب " وابن السمعاني  في " القواطع " ولم يذكروا وجوب العمل ، وما سكتوا عنه ، فقد صرح به غيرهم . 
وقال  المازري    : لم يرد الرجل هذا ، وإنما أراد اعتقاد وجوب العمل به ، قال المقترح  في تعليقه على " البرهان " : والظاهر أن الصيرفي  إنما أراد الاحتمال الأول ا هـ .  [ ص: 59 ] وقد علمت أن الصيرفي  فرض للمسألة أحوالا ثلاثة ، وجعل بعضها من الاحتمال الأول ، وبعضها من الأخير ، ففي الحالة الأولى ، وهي أن يخاطبه عليه السلام ، باللفظ العام يجب عليه العمل بمقتضى العموم ، ولم يختر اعتقاد العموم بخلافه في الحالتين الأخيرتين ، فتأمل كلامه . 
وقال الأصفهاني  استفدنا منه أن العمل به مقطوع ، أما مطلق اللفظ العام إن أراد به العموم فلا قطع فيه : وهذا الذي اشتبه على من قال : إن الأحكام الثابتة بأخبار الآحاد ونحوها مما يفيد الظن أحكام معلومة ، ولم يعرف أن المقطوع به وجوب العمل لأن الحكم المظنون معلوم . 
الأمر الثاني : أن إمام الحرمين  صور محل الخلاف في صورة خاصة ، فقال : إذا وردت الصيغة الظاهرة في اقتضاء العموم ، ولم يدخل وقت العمل بموجبها ، فقد قال  أبو بكر الصيرفي    : يجب على المتعبدين اعتقاد عمومها على جزم ، ثم إن كان الأمر على ما اعتقدوه فذاك ، وإن تبين أن الخصوص تغير العقد انتهى . والصواب في النقل عنه إطلاق العموم سواء قبل حضور وقت العمل به أو بعده ; بل هو مصرح بالعمل به قبل البحث عن المخصص ، ونقل ذلك أيضا في كتابه " البيان في أصول الفقه " وكذلك نقله عنه الجمهور كما سبق التصريح به في كلامهم ، ولم يقيد أحد منهم النقل عنه بهذه الحالة . 
				
						
						
