مسألة   [ في عموم مثل قوله : { خذ من أموالهم صدقة    } ]  
الجمهور أن مثل قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة    } قد يقتضي أخذ الصدقة من كل نوع من أنواع المال ، فكان مخرج الآية عاما على الأموال ، وكان يحتمل أن يكون بعض الأموال دون  [ ص: 237 ] بعض ، فدلت السنة على أن الزكاة في بعض المال دون بعض . 
وقال في موضع آخر : وهو الذي نص عليه  الشافعي  في كتاب " الرسالة " فقال عقب ذكر هذه الآية : إلا أن يختص بدلالة من السنة ، ولولا دلالة السنة لكان ظاهر القرآن أن الأموال كلها سواء ، وأن الزكاة في جميعها لا في بعضها دون بعض . ونقل عن نصه أيضا في " البويطي    " نحوه ، ولهذا احتج بها أصحابنا على وجوب الزكاة في مال التجارة  ، وعلى أخذ الشاة الصغيرة من الصغار ، واللئيمة من اللئام  ونحوه . لكنه في موضع آخر جعلها من المجمل المبين بالسنة ، كقوله تعالى : { وآتوا الزكاة    } . وذهب  الكرخي  من الحنفية إلى أنه يقتضي أخذ صدقة واحدة ونوع واحد ، ورجحه  ابن الحاجب  ، لأن " من " للبعض المطلق ، والواحدة من الجميع يصدق عليها . وتوقف الآمدي  فقال في آخر المسألة : وبالجملة فالمسألة محتملة ، ومأخذ  الكرخي  دقيق . كذا نقله ابن برهان  وغيره عن  الكرخي  ، والذي رأيته في كتاب  أبي بكر الرازي  ، عن شيخه  أبي الحسن الكرخي  أنه ذهب إلى أنه يقتضي عموم وجوب الحق في سائر أصناف الأموال واختاره  أبو بكر  أيضا ، وهو الصواب في النقل عنه . 
وحجة الجمهور أن الأموال جمع مضاف ، وهو من صيغ العموم ، والمعنى : خذ من كل نوع من أموالهم صدقة : واعترض المخالف بأن مثل  [ ص: 238 ] هذه الصيغة لا تقتضي التعميم ، لأجل " من " وأجاب القرافي  بأنه لا بد من تعلقها بمحذوف صفة الصدقة ، والتقدير : كائنة أو مأخوذة من أموالهم ، بل من بعض أموالهم ، وهو خصوص ، مع أن اللفظ عام ، لأن معنى كائنة من أموالهم أن لا يبقى نوع من المال إلا ويؤخذ منه ، وهذا هو بيان العموم . 
هذا هو الذي لحظه  الشافعي    . 
وقال بعضهم : الجار والمجرور الذي هو " من أموالهم " إن كان متعلقا بقوله : " خذ " ، فالمتجه قول  الكرخي  ، لأن التعلق مطلق ، والصدقة نكرة في سياق الإثبات ، فيحصل الامتثال بصدقة واحدة من نوع واحد ، وإن كان متعلقا بقوله : " صدقة " ، فيقوى قول الجمهور ، لأن الصدقة إنما تكون من أموالهم إذا كانت من كل نوع من أموالهم ، وفيه نظر ، لأنه إذا كان المعتبر دلالة العموم في أموالهم وأنها كلية ، فالواجب حينئذ من كل نوع من أنواع الأموال عملا بمقتضى العموم ، ولا نظر إلى تنكير صدقة ، لأنها مضافة إلى الأموال سواء قيل إنها متعلقة بخذ أو بصدقة ، وإن اعتبر لفظ " صدقة " وأنه نكرة في سياق الإثبات فلا عموم له على الوجهين أيضا . تنبيهات 
أحدها : يترتب على هذا الخلاف أن كل صنف اختلف في وجوب الزكاة فيه فللقائل بالعموم الاحتجاج به ، وهو نظير الخلاف في قوله : ( وآتوا الزكاة ) في أنها عامة أو مجملة . 
الثاني : هل الزكاة اسم للعين أو الفعل ؟  خلاف حكاه الجاجرمي    : في رسالته في الأصول ، فقيل اسم للعين ، كقوله تعالى :  [ ص: 239 ]   { خذ من أموالهم صدقة    } وقوله عليه الصلاة والسلام : { تؤخذ من أغنيائهم   } ، والمراد الزكاة . ومحل الأخذ هو العين لا الفعل ، غير أن اسم الزكاة على الفعل بطريق إطلاق اسم المحل على الحال ، وقيل : اسم للفعل كقوله تعالى : { والذين هم للزكاة فاعلون    } والإنسان إنما يصير فاعل الفعل لا لمحل الفعل ، ولأنه عليه السلام جعل الزكاة عبادة . 
				
						
						
