[ المسألة ] التاسعة [ الخطاب الخاص لغة بواحد من الأمة هل يشمل غيره من الأمة    ] 
الخطاب الخاص لغة بواحد من الأمة ، إن خص فيه بالتخصيص ، فلا شك فيه ، لقوله : ( ولن تجزي عن أحد بعدك ) وإن صلح أن يتناول  [ ص: 259 ] غيره ، فلا يتناول غيره من الأمة إلا أن يقوم دليل على وجوب تعميمه عند الجمهور ، ونص عليه  الشافعي    . 
قال الإمام  في باب الرضاع من " النهاية " في الكلام على إرضاع الكبير : وقد أشار  الشافعي  إلى تصرف في حديث سالم  رمز إليه  المزني  ، وهو أن خطاب رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا اختص بشخص في حكاية حال ، فحكم الصيغة اختصاص الحكم بالمخاطب ، وإذا قضينا بأن الناس في الشرع واحد ، فهو يتلقى من إجماع الصحابة لما يشاهدونه من قرائن الأحوال الدالة على الاختصاص ، قلنا : اضطرب رأيهم في قضية سالم  في التخصيص ، واللفظ في نفسه مختص بالمخاطب ، فلم يجز تعميم الحكم ، سيما إذا اعتقد خلافه مما يستقل دليلا ، انتهى . وقال  القاضي  من الحنابلة وغيره : عام بنفسه . قال  أبو الخطاب  منهم : هذا إذا وقع جوابا لسؤال ، كقول الأعرابي واقعت ، فقال : ( اعتق ) . 
فأما نحو قوله : { مروا أبا بكر  فليصل بالناس   } فلا يدخل ،  [ ص: 260 ] فيه كل الصحابة ، وكذا قوله للرجل : ( قم فبارز ) ، فلا يجوز على غيره المبارزة . قال : وكذلك إذا حكم صلى الله عليه وسلم في حادثة بين نفسين ، كان واجبا على كل أحد أن يحكم عليه بمثل تلك الحادثة  ، وهذا لا أعلم فيه خلافا انتهى . 
واقتضى كلام القاضي منهم أنه عام بعرف الشرع لا بوضع اللغة للقطع باختصاصه به لغة ، ومن ثم قال بعضهم : ليس النزاع لفظيا . وحكى أبو الحسين بن القطان  وجهين لأصحابنا في المسألة . وقال : الأكثرون على الأول . قال : والثاني أنه للعموم بدليل : حكمي على الواحد ، وعلى هذا فقال  الأستاذ أبو منصور    : اختلف أصحابنا في كيفية الحكم بذلك في غير السائل ، هل هو بالقياس أو بقوله : خطابي للواحد خطابي للجماعة ؟ وجهان ، الأول قول ابن سريج    . انتهى . ويخرج من كلام الإمام السابق رأي ثالث : أنه بالإجماع ، ثم صور إمام الحرمين  وابن السمعاني  وغيرهما المسألة بخطابه عليه السلام ، وصورها  الشيخ أبو حامد  في أعم من ذلك ، وهي مخاطبة الشارع واحدا بلفظ مختص به ، سواء كان المخاطب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، نحو { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال    } { يا أيها الرسول بلغ    } أو المخاطب النبي صلى الله عليه وسلم واحدا من أمته . 
وقال إمام الحرمين    : لا ينبغي أن يكون في المسألة خلاف ، فقال : لا شك أن الخطاب خص لغة بذلك الواحد ، ولا ينبغي فيه خلاف ، وأنه عام بحسب العرف الشرعي ، ولا ينبغي فيه خلاف ، فلا معنى للخلاف  [ ص: 261 ] في المسألة ، قال المقترح    : بل هو معنوي ، وهو أنا نقول : الأصل ما هو ؟ هل هو مورد الشرع ، أو مقتضى العرف ؟ وقال الصفي الهندي    : لا نسلم أن الخطاب عام في العرف الشرعي ; بل الذي نسلمه عموم مقتضى الخطاب غير عموم قطعا ، والنزاع إنما هو في الثاني لا في الأول . 
والحق أن التعميم منتف لغة ثابت شرعا ، والخلاف في أن العادة هل تقضي بالاشتراك بحيث يتبادر فهم أهل العرف إليها أو لا ؟ فأصحابنا يقولون : لا قضاء للعادة في ذلك ، كما لا قضاء للغة ، والخصم يقول : إنها تقضي بذلك . وهذا نقل ابن السمعاني  عنهم الاحتجاج بأن عادة أهل اللسان مخاطبة الواحد ، وإرادة الجماعة . 
				
						
						
