[ تعريف التخصيص    ] 
وأما التخصيص : وهو المقصود بالذكر ، فهو لغة : الإفراد ومنه الخاصة . واصطلاحا قال ابن السمعاني    : تمييز بعض الجملة بالحكم ، وتخصيص العام بيان ما لم يرد بلفظ العام . وقال  ابن الحاجب    : قصر العام على بعض مسمياته ، ورد بأن لفظ القصر يحتمل القصر في التناول أو الدلالة أو الحمل أو الاستعمال . وذكر  ابن الحاجب  أن التخصيص يطلق على قصر اللفظ على بعض مسمياته ، وإن لم يكن عاما ، كما يطلق العام على اللفظ بمجرد تعدد مسمياته ، كالعشرة والمسلمين لمعهودين ، وضمائر الجمع . وقيل : إخراج ما يتناول الخطاب . وهو أحسن ، لأن الصيغة العامة شاملة لجميع الأفراد ، مع قطع النظر عن المعارض . مقتضى الإرادة شمول الحكم لجميع الأفراد . فيخصص بعض الأفراد بالحكم دون بعض . فهي داخلة في جملة مقتضيات اللفظ ظاهرا مخرجة عنه بالتخصيص ، وحينئذ فالإخراج عن الدلالة أو التناول غير ممكن ، والممكن إخراج بعض المتناول . وقال  القفال الشاشي    : إذا ثبت تخصيص العام ببعض ما اشتمل عليه ،  [ ص: 326 ] علم أنه غير مقصود بالخطاب ، وأن المراد ما عداه ، ولا نقول : إنه كان داخلا في الخطاب ، فخرج عنه بدليل ، وإلا لكان نسخا ، ولم يكن تخصيصا ، فإن الفارق بينهما أن النسخ رفع الحكم بعد ثبوته ، والتخصيص بيان ما قصد له باللفظ العام . 
وكذا قال إلكيا الطبري  ، والقاضي عبد الوهاب    : معنى قولنا : إن العموم مخصوص ، أن المتكلم به قد أراد بعض ما وضع له دون بعض ، وذلك مجاز لأنه شبيه بالخصوص الذي يوضع في الأصل للخصوص ، وإرادة البعض لا تصيره موضوعا في الأصل لذلك ، ولو كان حقيقة لكان العام خاصا ، وهو متناف ، وإنما يصير خاصا بالقصد كالأمر يصير أمرا بالطلب والاستدعاء . انتهى . 
وكذا قال القاضي  والغزالي    : لا يجوز أن يقال : هذا عام مخصوص ، أو قد خص ، لأن القائلين بالعموم يقولون : هو للاستغراق ، فإن أريد البعض فقد تجوز به عن حقيقته ووضعه ، فلم يتصرف في الوضع ، ولم يغير حتى يقال ذلك ، وإلا فإذن هذا اللفظ مؤول ، ومعناه أن وضعه للعموم ، واستعمل في غير وضعه مجازا فهو عام من جهة اللفظ بالوضع ، وخاص بالإرادة أو التجوز إذ قصد به بعض مدلوله ، وإلا فالعام والخاص بالوضع لا ينقلب عن وضعه بالإرادة ، قالا : وهذا التأويل متعين ، لأن تخصيص العام محال ، بل هو علامة أنه أريد باللفظ العام بالوضع ، أو الصالح لإرادة العموم الخصوص . فيقال على سبيل التوسع لمن عرف ذلك : إنه خصص العموم أي أريد به الخصوص . 
قال القاضي    : وأما عندنا يعني الواقفية  المنكرين للصيغ لا يوصف بأنه تخصيص للعام ، ولكنه بيان مشترك ، ويحتمل من اللفظ .  [ ص: 327 ] وقال ابن دقيق العيد  في " شرح الإلمام " : لما كان التخصيص إخراج بعض أفراد العام عن الإرادة منه وجب قطعا أن يكون شرطه قصد الإخراج عن الإرادة ، وأما العام فيتناول الأفراد بوضعه ، فيدخل تحته بما لا يمكن أن يخص من الأفراد ، وليس من شرطه إرادة الفرد المعين اتفاقا ، لأنه إذا لم يخرج منه بعض الأفراد ، كفت الإرادة العامة لتناول الحكم لجملة أفراده حصول الحكم في الفرد المعين ، وإن لم يخطر بالبال ذلك الفرد بخصوصه . قال : وهذا مما لا خلاف فيه ، أعني أنه ليس من شرط العام إرادة كل فرد من أفراده بخصوصه . انتهى . 
وقال العبادي  في زياداته " : العبارات أمارات الإرادات ، فإذا خصت العبارة خصت الإرادة ، وإذا عمت عمت ، وهو جار على أحد القولين السابقين . وهل يجب مقارنة المخصص الخصيص أم لا ؟ قولان . قالت الأشعرية  بالثاني ، والمعتزلة  بالأول . وهما القولان في تأخير البيان عن وقت الحاجة . 
وقال أبو الحسين  في " المعتمد " : مذهب أصحابنا يعني المعتزلة  أنه يشترط في التخصيص مقارنة اللفظ العام ، والعقلي محل وفاق في اشتراط المقارنة . 
واعلم أنه سيأتي في باب الحج حكاية خلاف في أنه لا يجوز إلا بعد أن يقترن بالتكليف ما يدل على النسخ ، ولم يذكروه هنا لأنه أخف . 
				
						
						
