[ التخصيص بقول الصحابي    ] 
المسألة الثانية : أن يكون الخبر عاما فيخصه الصحابي بأحد أفراده  ، فإما أن يكون هو الراوي له أو لا 
الضرب الأول : أن لا يكون هو راويه ، كحديث  أبي هريرة    : { ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة   } . وحديث  علي    : { قد عفوت لكم عن صدقة الخيل ، والرقيق   } وقد روي عن  ابن عباس  تخصيص الخيل بما يغزى عليها في سبيل الله ، فأما غيرها ففيها الزكاة ، وعن  عثمان   [ ص: 528 ] تخصيصه بالسائمة ، وأخذ من المعلوفة الزكاة ، وعن  عمر  نحوه . 
فقال  الأستاذ أبو منصور  ،  والشيخ أبو حامد الإسفراييني  ، وسليم  ، والشيخ  في اللمع " : يجوز التخصيص به إذا انتشر ، ولم يعرف له مخالف ، وانقرض العصر عليه ، لأن ذلك إما إجماع أو حجة مقطوع به على الخلاف . 
وأما إذا لم ينتشر في الباقين ، فإن خالفه غيره فليس بحجة قطعا ، وإن لم يعرف له مخالف فعلى قوله في الجديد ، ليس بحجة ، فلا يخص به ، وعلى قوله القديم : هو حجة ، تقدم على القياس ، وهل يخص به العموم ؟ فيه وجهان : 
أحدهما : أنه يخص به ، لأنه على هذا القول أقوى من القياس ، وقد ثبت جواز التخصيص بالقياس فكان بما هو أقوى منه أولى . والثاني : لا يخص لأن الصحابة كانت تترك أقوالها لظاهر السنة . قال  الشيخ أبو إسحاق    : والمذهب أنه لا يجوز التخصيص به . 
وما ذكروه من حكاية الوجهين تفريعا على القول بحجيته ، حكاه  القفال الشاشي  في كتابه أيضا ،  والقاضي أبو الطيب  في شرح الكفاية " ، ونقلهما عن  أبي علي الطبري  في الإيضاح " . 
وما ذكروه من تخريج القول بكونه تخصيصا على القديم فهو مبني على المشهور من مذهب  الشافعي  في الجديد : أن قول الصحابي ليس بحجة ، لكن سيأتي - إن شاء الله تعالى - أنه منصوص  للشافعي  في الجديد أيضا ، ولذلك اعتقد مذهب معمر بن نضلة  في تخصيصه الاحتكار بالطعام حالة الضيق على  [ ص: 529 ] الناس ، ولم يعتقد قول  ابن عباس  في تخصيص المرتد بالرجل دون المرأة ، ولا قول من خص نفي الزكاة عن الخيل ببعض أصنافها . أما على القول المشهور في الجديد من أن قول الصحابي ليس بحجة أو لأن غيرهم من الصحابة قد خالفوهم ، فقد روي عن  علي  أنه قتل المرتدة ، وعن  عمر  أنه امتنع من أخذ الزكاة عن الخيل ، لما سأله أربابها ذلك ، وإذا اختلفت الصحابة تعارضت أقوالهم فبقي العام على عمومه وما جزموا به من التخصيص إذا لم يعلم مخالف فليس كذلك ، فقد ذكر  القفال الشاشي  في هذه الحالة خلافا مبنيا على الخلاف في تقليده ، وفيه نظر ، لأن هذه محل وفاق كما سيأتي . 
وقال أبو الحسين بن القطان    : ذهب عامة أصحابنا إلى أن تخصيص الظاهر بقول الصحابي  لا يقع . وقال بعضهم : يجب أن يخص الظاهر به إذا قلنا بوجوب قبول قوله إذا انتشر ، وإن لم يصادمه قياس ، لأنا نقدمه على القياس ، فإذا خص بالقياس كان بأن يخص بقوله الذي هو مقدم على القياس أولى ، ثم قال  الشيخ أبو حامد    : فأما إذا كان الخبر غير محتمل أو عارضه قول صحابي فإنه يعمل بالخبر ، ويترك قول الصحابي . وقال  أبو حنيفة    : إن كان الصحابي ممن يخفى عليه الخبر عمل بالخبر ، وإن كان ممن لا يخفى عليه فالعمل بقول الصحابي ، ولهذا يقولون : من شرط صحة خبر الواحد أن لا يعترض عليه بعض السلف    . 
				
						
						
