مسألة 
وهو واقع في الكتاب والسنة على الأصح . 
قال  أبو بكر الصيرفي    : النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عربي يخاطب كما يخاطب العرب  ، والعرب  تجمل كلامها ، ثم تفسره ، فيكون كالكلمة الواحدة : قال : ولا أعلم أحدا أبى هذا غير  داود الظاهري  ، ثم ناقض منه في صفة { الأيم أحق بنفسها   } ، مع قوله : { لا نكاح إلا بولي   } والذي ناقض أصح من الذي أعطاه بينا . وقد ذهب بعض أصحابه إلى أن له في المسألة قولين وهذا أصحهما . ا هـ . 
وقيل : لم يبق مجمل في كتاب الله تعالى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم . وقال إمام الحرمين    : المختار أن ما ثبت التكليف به يستحيل استمرار الإجمال فيه ، فإنه تكليف بالمحال ، وما لا يتعلق به تكليف فلا يبعد استمرار الإجمال فيه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، واستأثر الله تعالى بسره . 
ولا يتصور الإجمال في القياس  ، وسبق مثله عن ابن القشيري    . وقال الماوردي  ، والروياني  في كتاب القضاء : يجوز التعبد بالخطاب بالمجمل قبل البيان ، { لأنه عليه السلام بعث  معاذا  إلى اليمن  ، وقال : ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله   } الحديث ، وتعبدهم بالتزام الزكاة قبل بيانها . وفي كيفية تعبدهم بالتزامها وجهان :  [ ص: 61 ] أحدهما : أنهم متعبدون قبل البيان بالتزامه بعد البيان . 
والثاني : أنهم متعبدون قبل البيان بالتزامه مجملا ، وبعد البيان بالتزامه مفسرا . 
وقال ابن السمعاني    : قالوا : إن التزام المجمل قبل بيانه واجب . واختلف أصحابنا في كيفية التزامه على وجهين ، وذكرهما . قلت    : ولعل الثاني مراد الأول ، وإنما اختلفت العبارة ، وهو قريب من الخلاف السابق في العام ، هل يجب اعتقاد عمومه قبل ورود المخصص . 
وقال الماوردي  ، والروياني    : إنما جاز الخطاب بالمجمل وإن كانوا لا يفهمونه لأحد أمرين : الأول : ليكون إجماله توطئة للنفس على قبول ما يتعقبه من البيان ، فإنه لو بدأ في تكليف الصلاة وبينها ، لجاز أن تنفر النفوس منها ، ولا تنفر من إجمالها . 
والثاني : أن الله تعالى جعل من الأحكام جليا ، وجعل منها خفيا ، ليتفاضل الناس في العلم بها ، ويثابوا على الاستنباط لها ، فلذلك جعل منها مفسرا جليا ، وجعل منها مجملا خفيا . ثم قال الماوردي    : ومن المجمل ما لا يجب بيانه على الرسول ، كقوله : { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله    } فأجمل فيه النفقة في أقلها وأوسطها وأكثرها ، حتى اجتهد العلماء في تقديرها ، وسئل عن الكلالة ، فقال : آية الصيف . فوكله إلى الاجتهاد ، ولم يصرح بالبيان . 
قال : واختلف أصحابنا في هذا البيان الصادر من الاجتهاد ، هل يؤخذ قياسا أو تنبيها ؟ وجهان : 
أحدهما : يؤخذ تنبيها من لفظ المجمل ، وشوهد أحواله ، { لأنه عليه السلام قال  لعمر    : يكفيك آية الصيف   } . فرده إليها ليستدل بما تضمنته من  [ ص: 62 ] بينة وشواهد . قال : والثاني : أن يؤخذ قياسا على ما استقر بيانه من نص أو إجماع ، لأن {  عمر  سأل عن القبلة . فقال : أرأيت لو تمضمضت   } ؟ فجعل القبلة بغير إنزال ، كالمضمضة بغير ازدراد . ا هـ . 
وما ذكره في الأول من التمثيل بالنفقة يمكن المنازعة فيه ، فإن بيانها قد ورد في قضية هند حيث قال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ، فبين الإجمال في الآية بالكفاية . . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					