مسألة في أن لفظ الشارع إذا دار بين مدلولين  
إن حمل على أحدهما أفاد معنى واحدا ، وإن حمل على الآخر أفاد معنيين ، وليس هو أظهر بالنسبة إلى أحدهما ، فهل هو مجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما أم هو ظاهر بالنسبة إلى إفادة المعنيين ؟ قال الهندي    : ذهب الأكثرون إلى الثاني ، وذهب الأقلون منهم الغزالي  إلى أنه مجمل بالنسبة إلى كل واحد منهما . 
قلت    : واختاره  ابن الحاجب  ، والأول اختيار الآمدي  تكثيرا للفائدة ، ولما فيه من رفع الإجمال الذي هو خلاف الأصل ، فمن لم . 
 [ ص: 82 ] يجعله مجملا يجعله حقيقة في المعنيين مجازا في الواحد . واللفظ الدائر بين الحقيقة والمجاز  ليس بمجمل بالنسبة إلى كل منهما ، بل هو ظاهر بالنسبة إلى الحقيقة ، ومن جعله مجملا لا يجعله حقيقة في أحدهما عينا ، بل يحتمل غيره احتمالا سواء ، أو يكون حقيقة في المعنى الواحد ، مجازا في المعنيين وبالعكس ، وأن يكون حقيقة فيهما ، ولا يرجع لسبب إفادة المعنيين ، ثم قال الآمدي  والهندي    : محل الخلاف إنما هو فيما إذا لم يكن حقيقة في المعنيين ، فإنه يكون مجملا ; أو حقيقة في أحدهما ، فالحقيقة مرجحة قطعا . وظاهره جعل الخلاف فيما إذا كانا مجازين ، لأنه إذا لم يكن حقيقتين ولا أحدهما حقيقة والآخر مجازا فما بقي إلا أن يكونا مجازين ، وحينئذ فقد يستشكل جريان الخلاف فيه ، لأن نسبة المجازين إلى اللفظ نسبة الحقيقتين ، والحق أن صورة المسألة أعم من ذلك ، وهو اللفظ المحتمل لمتساويين ، سواء كانا حقيقتين أو مجازين ، أو أحدهما حقيقة مرجوحة ، والآخر مجازا راجحا عند القائل بتساويهما ، ويكون ذلك باعتبار الظهور والخفاء وينزل كلام الآمدي  على ما سنذكره . 
واعلم أن ترجمة المسألة هكذا تحتمل معنيين : أحدهما : أن المعنى الواحد ليس واحدا من المعنيين ، والظاهر في هذا ترجيح الإجمال ، وقولهم : الحمل على المعنيين أكثر فائدة ممنوع ، لأن هذا صحيح فيما إذا كان المعنى الواحد أحد المعنيين ، وعلى هذه الحالة ينزل قول الآمدي  والهندي  أنه لم يقل بالحمل على المعنى الواحد أحد ، والإعراض عن الآخر ذي المعنيين المغايرين للمعنى الواحد ، بل الظاهر الإجمال ، ويحتمل أن يرجح المجمل ذو المعنيين ، لكونه أكثر فائدة .  [ ص: 83 ] وقد يمثل لهذه الحالة بقوله : { المحرم لا ينكح ولا ينكح   } إذا قلنا : النكاح مشترك ، فإنه دائر بينهما من غير ترجيح فإن حمل على الوطء استفيد منه معنى واحد ، وهو أن المحرم لا يطأ ولا يوطأ ، وإن حمل على العقد استفيد منه شيئان بينهما قدر مشترك : وهو أن المحرم لا يعقد لنفسه ، ولا لغيره . 
والثاني : أن يكون واحدا منهما فيعمل به قطعا ، لأنه مراد على كل حال ، ويبقى النظر في المعنى الآخر . وقد يمثل لهذه الحالة بقوله : { الأيم أحق بنفسها   } فإنه يحتمل أنها أحق بنفسها فتعقد على نفسها ، كما يقول به الخصوم ، أو أنها أحق بنفسها ، فتمكن من أمرين : أحدهما : أن تأذن لمن يعقد عليها . 
والثاني : أن تعقد بنفسها ، ونقل ذلك عن نص  الشافعي  إذا كانت في موضع لا ولي فيه ، ولا حاكم ، وكذا قوله : { فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بالنضح نصفه   } يحتمل أنه أراد مقدار الواجب ، أو مقدار ما يجب فيه ، أو مقدار الواجب خاصة . . 
				
						
						
