وهذه فروع : الأول : هل يجوز للإنسي نكاح الجنية  قال العماد بن يونس  في شرح الوجيز : نعم وفي المسائل التي سأل الشيخ جمال الدين الإسنوي  عنها قاضي القضاة شرف الدين البارزي  إذا أراد أن يتزوج بامرأة من الجن - عند فرض إمكانه - فهل يجوز ذلك أو يمتنع فإن الله تعالى قال { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا    } فامتن الباري تعالى بأن جعل ذلك من جنس ما يؤلف . 
فإن جوزنا ذلك - وهو المذكور في شرح الوجيز لابن يونس    - فهل يجبرها على ملازمة المسكن أو لا ؟ وهل له منعها من التشكل في غير صور الآدميين عند القدرة عليه ، لأنه قد تحصل النفرة أو لا ، وهل يعتمد عليها فيما يتعلق بشروط صحة النكاح من أمر وليها وخلوها عن الموانع أو لا ، وهل يجوز قبول ذلك من قاضيهم أو لا ، وهل إذا رآها في صورة غير التي ألفها وادعت أنها هي ، فهل يعتمد عليها ويجوز له وطؤها أو لا ، وهل يكلف الإتيان بما يألفونه من قوتهم ، كالعظم وغيره إذا أمكن الاقتيات بغيره أو لا . 
فأجاب : لا يجوز له أن يتزوج بامرأة من الجن ، لمفهوم الآيتين الكريمتين ، قوله تعالى في سورة النحل { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا    } وقوله في سورة الروم { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا    } قال المفسرون في معنى الآيتين { جعل لكم من أنفسكم    } أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقكم ، كما قال تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم    } أي من الآدميين ; ولأن اللاتي يحل نكاحهن : بنات العمومة وبنات الخؤولة ، فدخل في ذلك من هي في نهاية البعد كما هو المفهوم من آية الأحزاب { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك    } والمحرمات غيرهن ، وهن الأصول والفروع ، وفروع أول الأصول وأول الفروع من باقي الأصول ، كما في آية التحريم في النساء ، فهذا كله في النسب ، وليس بين الآدميين والجن نسب . هذا جواب البارزي    . 
فإن قلت : ما عندك من ذلك . قلت    : الذي أعتقده التحريم ، لوجوه : منها : ما تقدم من الآيتين .  [ ص: 257 ] ومنها : ما روى حرب الكرماني  في مسائله عن  أحمد  وإسحاق  قالا : حدثنا محمد بن يحيى القطيعي  حدثنا  بشر بن عمر  حدثنا  ابن لهيعة  عن  يونس بن يزيد  عن الزهري  قال {   : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح الجن   } والحديث وإن كان مرسلا فقد اعتضد بأقوال العلماء . 
فروي المنع منه عن  الحسن البصري  ،  وقتادة  ، والحكم بن عيينة   وإسحاق بن راهويه  ، وعقبة الأصم    . وقال الجمال السجستاني  من الحنفية . في كتاب " منية المفتي عن الفتاوى السراجية " لا يجوز المناكحة بين الإنس والجن ، وإنسان الماء لاختلاف الجنس . 
ومنها : أن النكاح شرع للألفة ، والسكون ، والاستئناس ، والمودة ، وذلك مفقود في الجن ، بل الموجود فيهم ضد ذلك ، وهو العداوة التي لا تزول . ومنها : أنه لم يرد الإذن من الشرع في ذلك ، فإن الله تعالى قال { فانكحوا ما طاب لكم من النساء    } والنساء : اسم لإناث بني آدم خاصة ، فبقي ما عداهن على التحريم ; لأن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يرد دليل على الحل . 
ومنها : أنه قد منع من نكاح الحر للأمة ; لما يحصل للولد من الضرر بالإرقاق ، ولا شك أن الضرر بكونه من جنية وفيه شائبة من الجن خلقا وخلقا ، وله بهم اتصال ومخالطة أشد من ضرر الإرقاق الذي هو مرجو الزوال بكثير ، فإذا منع من نكاح الأمة مع الاتحاد في الجنس للاختلاف في النوع ، فلأن يمنع من نكاح ما ليس من الجنس من باب أولى . وهذا تخريج قوي ، لم أر من تنبه له . 
ويقويه أيضا أنه نهى عن إنزاء الحمر على الخيل ، وعلة ذلك : اختلاف الجنس وكون المتولد منها يخرج عن جنس الخيل ، فيلزم منه قلتها ، وفي حديث النهي { إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون   } فالمنع من ذلك فيما نحن فيه أولى . وإذا تقرر المنع ، فالمنع من نكاح الجني الإنسية أولى وأحرى ، لكن روى أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي  ، في كتاب : الإلهام والوسوسة ، فقال : حدثنا  مقاتل  ، حدثني سعيد بن داود الزبيدي  قال : كتب قوم من أهل اليمن  إلى  مالك  يسألونه عن نكاح الجن ، وقالوا : إن ههنا رجلا من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال ، فقال " ما أرى بذلك بأسا في الدين ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل ، قيل لها : من زوجك ؟ قالت : من الجن ، فيكثر الفساد في الإسلام بذلك " انتهى . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					