الأمر الثاني إذا اختلف المقومون ، بما يؤخذ ؟  فيه فروع منها : إذا شهد عدلان بسرقة ، فقوم أحدهما المسروق نصابا ، والآخر دونه  ، فلا قطع ; للشبهة .  [ ص: 355 ] وأما المال : فإن رضي بأقل القيمتين ، فذاك ، وله أن يحلف مع الذي شهد بالأكثر ويأخذه ، ولو شهد بأنه نصاب ، وقوم آخران بدونه ، فلا قطع . ويؤخذ في الغرم بالأقل ، وله مأخذان : أحدهما - وهو الأظهر - أن الأقل متيقن ، والزائد مشكوك فيه ، فلا يلزم بالشك . 
والثاني - أن التي شهدت بالأقل ، ربما اطلعت على عيب . 
ومنها : سئل  ابن الصلاح  عن ملك اليتيم ، احتيج إلى بيعه ، فقامت بينة بأن قيمته . مائة وخمسون ، فباعه القيم بذلك ، وحكم الحاكم بصحة البيع ، ثم قامت بينة أخرى بأن قيمته حينئذ : مائتان فهل ينقض الحكم ، ويحكم بفساد البيع  ؟ . 
فأجاب بعد التمهل أياما ، والاستخارة - أنه ينقض الحكم ; لأنه إنما حكم بناء على البينة السالمة عن المعارضة بالبينة التي مثلها ، وأرجح . وقد بان خلاف ذلك ، وتبين استناد ما يمنع الحكم إلى حالة الحكم ، فهو كما قطع به صاحب المهذب من أنه لو حكم للخارج على صاحب اليد ببينة ، فانتزعت العين منه ، ثم أتى صاحب اليد ببينة  ، فإن الحكم ينقض لمثل العلة المذكورة ، وهذا بخلاف ما لو رجع الشاهد بعد الحكم ، فإنه لم يتبين استناد مانع إلى حالة الحكم ; لأن قول الشاهد متعارض وليس أحد قوليه بأولى من الآخر ا هـ . 
ونازعه في ذلك السبكي  في فتاويه ، ومنع النقض . قال : لأن التقويم حدس وتخمين ، ولا يتحقق فيه التعارض إلا إذا كان في وقت واحد . وإن سلمنا المعارضة فهي معارضة للبينة المتقدمة ، وليست راجحة عليها ، حتى تكون مثل مسألة المهذب . وكيف ينقض الحكم بغير مستند راجح ؟ ومعنا بينتان متعارضتان من غير ترجيح ، فهو كما لو وجد دليلان متعارضان في حكم ، ليس لنا أن ننقضه . ولا يقال : إن تعارض الدليلين مانع من الإقدام على الحكم ، فيكون موجبا لنقضه ; لأنا نقول : ليس كل ما منع الابتداء منع الدوام . وأيضا قد يكون ترجح عند الحاكم أحدهما ، فحكم به لرجحانه عنده ، وكما أنه لا يقدم على الحكم إلا بمرجح ، لا نقدم نحن على نقضه إلا بمرجح ، ولم يوجد . 
وقوله : ( وقد بان خلافه ) : ممنوع ، لم يبن خلافه بل أكثر ما فيه - إن أشكل الأمر علينا ، ولا يلزم من إشكال الأمر علينا - أن نوجب النقض ، ثم نبه على أنه لو قامت بينتان متعارضتان ، واحتاج اليتيم إلى البيع  الوجه أنه  [ ص: 356 ] يجوز البيع بالأقل ما لم يوجد راغب بزيادة ، بعد إشهاده ، والقول قول القيم في أنه أشهده ; لأنه أمين . 
قال : والقول قوله في أن ذلك ثمن المثل كما أن الوكيل وعامل القراض والبائع على المفلس إذا باعوا ليس لهم أن يبيعوا إلا بثمن المثل    . 
ولو ادعى عليهم : أنهم باعوا بأقل من ثمن المثل ، فالقول قولهم فيما يظهر لنا ، وإن لم نجده منقولا ; لأنهم منا . قال : ولا يرد على هذا قول الأصحاب : إن الصبي إذا بلغ وادعى على القيم والوصي بيع العقار بلا مصلحة ،  فالقول قوله ; لأنا نقول : إنما يكلف القيم والوصي إقامة البينة على المصلحة التي هي مسوغة للبيع ، كما يكلف الوكيل إقامة البينة على الوكالة . وأما ثمن المثل : فهو من صفات البيع ، فإذا ثبت أن البيع جائز قبل قوله في صفته ودعوى صحته ، ولا يقبل قول من يدعي فساده ا هـ . 
تنبيه : 
هذه المسألة : يصلح إيرادها في قاعدة التقويم كما صنعنا ، وفي قاعدة " يغتفر في الدوام ، ما لا يغتفر في الابتداء " ، وفي قاعدة " تصديق مدعي الصحة " وفي فتاوى السبكي أيضا : أنه سئل عن رجل عليه دين مائتا درهم ، ورهن عليه كرما وحل الدين وهو غائب ، وأثبت صاحب الدين : الإقرار ، والرهن ، والقبض ، وغيبة الراهن المديون ، وندب الحاكم من قوم المرهون وثبت عنده أن قيمته مائتا درهم ، فأذن في تعويضه للمرتهن عن دينه ، ثم بعد مدة قامت بينة أن قيمته يوم التعويض ثلاثمائة ، وكان يوم التعويض يوم التقويم الأول . 
فأجاب : يستمر التعويض ، ولا يبطل بقيام البينة الثانية مهما كان التقويم الأول محتملا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					