القاعدة الثانية إذا اجتمع الحلال والحرام  غلب الحرام وأورده جماعة حديثا بلفظ { ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام الحلال   } . قال الحافظ أبو الفضل العراقي    : ولا أصل له ، وقال السبكي  في الأشباه والنظائر  [ ص: 106 ] نقلا عن  البيهقي    : هو حديث رواه جابر الجعفي  ، رجل ضعيف ، عن الشعبي  عن  ابن مسعود  ، وهو منقطع . قلت : وأخرجه من هذا الطريق  عبد الرزاق  في مصنفه . وهو موقوف على  ابن مسعود  لا مرفوع . 
ثم قال ابن السبكي    : غير أن القاعدة في نفسها صحيحة . قال الجويني  في السلسلة : لم يخرج عنها إلا ما ندر . 
فمن فروعها : إذا تعارض دليلان : أحدهما يقتضي التحريم والآخر الإباحة  قدم التحريم في الأصح ومن ثم قال  عثمان  ، لما سئل عن الجمع بين أختين بملك اليمين " أحلتهما آية وحرمتهما آية . والتحريم أحب إلينا " وكذلك تعارض حديث { لك من الحائض ما فوق الإزار   } وحديث { اصنعوا كل شيء إلا النكاح   } فإن الأول يقتضي تحريم ما بين السرة والركبة . 
والثاني يقتضي إباحة ما عدا الوطء ، فيرجح التحريم احتياطا . 
قال الأئمة : وإنما كان التحريم أحب لأن فيه ترك مباح لاجتناب محرم . وذلك أولى من عكسه . 
ومنها : لو اشتبهت محرم بأجنبيات محصورات  لم تحل . 
ومنها : قاعدة مد عجوة ودرهم . 
ومنها : من أحد أبويها كتابي ، والآخر مجوسي . أو وثني : لا يحل نكاحها ولا ذبيحتها  ، ولو كان الكتابي الأب في الأظهر ، تغليبا لجانب التحريم . 
ومنها : من أحد أبويه مأكول ، والآخر غير مأكول    . لا يحل أكله ، ولو قتله محرم ففيه الجزاء تغليبا للتحريم في الجانبين . 
ومنها : لو كان بعض الضبة للحاجة ، وبعضها للزينة    : حرمت . 
ومنها : لو كان بعض الشجرة في الحل ، وبعضها في الحرم     : حرم قطعها . 
ومنها : لو اشترك في الذبح مسلم ومجوسي  ، أو في قتل الصيد سهم وبندقة : لم يحل . ومنها : عدم جواز وطء الجارية المشتركة    . 
ومنها : لو اشتبه مذكى بميتة ، أو لبن بقر بلبن أتان أو ماء وبول    : لم يجز تناول شيء منها ولا بالاجتهاد ، ما لم تكثر الأواني كاشتباه المحرم . 
ومنها : لو اختلطت زوجته بغيرها  ، فليس له الوطء ، ولا باجتهاد ، سواء كن محصورات أم لا بلا خلاف ، قاله في شرح المهذب . 
ومن صوره : أن يطلق إحدى زوجتيه مبهما  ، فيحرم الوطء قبل التعيين أو يسلم على أكثر من أربع ، فيحرم قبل الاختيار . 
 [ ص: 107 ] ومنها : ما ذكره النووي  في فتاويه : إذا أخذ المكاس من إنسان دراهم فخلطها بدراهم المكس ، ثم رد عليه قدر درهمه من ذلك المختلط . لا يحل له إلا أن يقسم بينه وبين الذي أخذت منهم . 
وفي فتاوى  ابن الصلاح    : لو اختلط درهم حلال بدراهم حرام    . ولم يتميز فطريقه : أن يعزل قدر الحرام بنية القسمة . ويتصرف في الباقي ، والذي عزله إن علم صاحبه سلمه إليه ، وإلا تصدق به عنه ، وذكر مثله النووي  وقال : اتفق أصحابنا ، ونصوص  الشافعي  على مثله فيما إذا غصب زيتا أو حنطة . وخلط بمثله  ، قالوا : يدفع إليه من المختلط قدر حقه . ويحل الباقي للغاصب . 
قال : فأما ما يقوله العوام : إن اختلاط ماله بغيره يحرمه ، فباطل ، لا أصل له . 
ومنها : لو انتشر الخارج فوق العادة ، وجاوز الحشفة أو الصفحة  ، فإنه لا يجزي الحجر في غير المجاوز أيضا . 
ومنها : لو تلفظ الجنب بالقرآن    . بقصد القراءة والذكر معا : فإنه يحرم . 
ومنها : لو وقف جزءا من أرض مشاعا مسجدا    : صح . ووجب القسمة ، ولا يجوز قبل القسمة للجنب المكث في شيء من أجزائها ، ولا الاعتكاف تغليبا للتحريم في الجانبين ذكره  ابن الصلاح  في فتاويه . 
ومنها : لو رمى الصيد فوقع بأرض ، أو جبل ، ثم سقط منه  ، حرم لحصول الموت بالسهم والسقطة . 
وخرج عن هذه القاعدة فروع : منها : الاجتهاد في الأواني والثياب ، والثوب المنسوخ من حرير وغيره  يحل إن كان الحرير أقل وزنا ، وكذا إن استويا في الأصح ، بخلاف ما إذا زاد وزنا . 
ونظيره : التفسير ، يجوز مسه للمحدث إن كان أكثر من القرآن ، وكذا إن استويا في الأصح ، إلا إن كان القرآن أكثر . 
ومنها : لو رمى سهما إلى طائر فجرحه ، ووقع على الأرض فمات  ، فإنه يحل وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض ; لأن ذلك لا بد منه ، فعفي عنه . 
ومنها : معاملة من أكثر ماله حرام  إذا لم يعرف عينه لا يحرم في الأصح ، لكن يكره وكذا الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام في يده كما قال في شرح المهذب إن المشهور فيه الكراهة ، لا التحريم ، خلافا للغزالي    . 
ومنها : لو اعتلفت الشاة علفا حراما لم يحرم لبنها ولحمها  ، ولكن تركه أورع . نقله في شرح المهذب عن الغزالي    . 
ومنها : أن يكون الحرام مستهلكا أو قريبا منه    ; فلو أكل المحرم شيئا قد استهلك فيه  [ ص: 108 ] الطيب فلا فدية ، ولو خالط المائع الماء بحيث استهلك فيه جاز استعماله كله في الطهارة " ولو مزج لبن المرأة بماء بحيث استهلك فيه  ، لم يحرم ، وكذا لو لم يستهلك ، ولكن لم يشرب الكل ، ولا يجوز القراض على المغشوش    . قال الجرجاني    : ما لم يكن مستهلكا ومنها : لو اختلطت محرمه بنسوة قرية كبيرة    : فله النكاح منهن . 
ولو اختلط حمام مملوك بمباح لا ينحصر    . جاز الصيد ولو كان المملوك غير محصور أيضا في الأصح . 
قال في زوائد الروضة : ومن المهم : ضبط العدد المحصور . فإنه يتكرر في أبواب الفقه وقل من بينه . 
قال الغزالي    : وإنما يضبط بالتقريب ، فكل عدد لو اجتمع في صعيد واحد ، لعسر على الناظرين عده بمجرد النظر . كالألف ونحوه ، فهو غير محصور . وما سهل ، كالعشرة والعشرين فهو محصور ، وبين الطرفين أوساط متشابهة ، تلحق بأحد الطرفين بالظن ، وما وقع فيه الشك استفتي فيه القلب    . 
ولو ملك الماء بالاستسقاء ، ثم انصب في نهر ، لم يزل ملكه عنه ولا يمنع الناس من الاستقاء . وهو في حكم الاختلاط بغير المحصور . 
قال في الإحياء : ولو اختلط في البلد حرام لا ينحصر    . لم يحرم الشراء منه ، بل يجوز الأخذ منه ، إلا أن يقترن به علامة على أنه من الحرام . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					