المطلب الثالث: حكمها 
أما حكمها التكليفي: فمستحبة، حكي الإجماع على ذلك، ما لم يترتب على ذلك محظور. 
قال الشربيني:   "وانعقد الإجماع على استحباب الهبة بجميع أنواعها...، وقد يعرض لها أسباب تخرجها عن ذلك: منها الهبة لأرباب الولايات والعمال،  فإنه يحرم عليهم قبول الهدية من أهل ولاياتهم ممن ليست له عادة بذلك قبل الولاية كما هو محرر في محله، ومنها: ما لو كان المتهب يستعين بذلك على معصية". 
ويستحب أن يعلمها ولده، ففي مجمع الأنهر: « قال الإمام أبو منصور:  
 [ ص: 39 ] يجب على المؤمن أن يعلم ولده الجود والإحسان كما يجب أن يعلمه التوحيد والإيمان; إذ حب الدنيا رأس كل خطيئة".  
قال ابن القيم:  « والأمة مجمعة على جواز أكل الهدية، وإن كانت من فاسق أو كانت من صبي، ومن نازع في ذلك لم يمكنه العمل بخلافه، وإن قاله بلسانه". 
وقال: "الهدية إذا شرفت وخرجت عن حد الحقارة وقعت موقعا حسنا عند المهدى إليه، ودلت على شرف نفس المهدي، وكبر همته". 
قال النووي:   "قال أصحابنا: وفعلها مع الأقارب ومع الجيران أفضل من غيرهم ; للأدلة المتكاثرة في فضل صلة الرحم، وإكرام الجار".  
ويهدي القليل والكثير: قال النووي:   "ينبغي أن لا يحتقر القليل فيمتنع من إهدائه، وأن لا يستنكف المهدى إليه عن قبول القليل". 
(1 ) لما رواه  البخاري   ومسلم  من طريق  المقبري،  عن أبيه، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  "يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة". 
قال الشيخ ابن باز:   "وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير;  [ ص: 40 ] لأن الكثير قد لا يتيسر كل وقت، وإذا تواصل اليسير صار كثيرا، وفيه استحباب المودة وإسقاط التكلف".
قال  ابن بطال:   "قوله:  (اتقوا النار ولو بشق تمرة  ) حض على الصدقة بالقليل، وقد تصدقت  عائشة  بتمرة، وتصدقت بحبة عنب، وقالت: كم فيها من مثاقيل الذر، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لأبي تميمة الهجيمي:   "لا تحقرن شيئا من المعروف ولو أن تضع من دلوك في إناء المستقي". 
والصدقة في معنى الهبة. 
(2 ) ولما روى  البخاري  من طريق  شعبة،  عن سليمان،  عن أبي حازم،  عن  أبي هريرة  رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي ذراع أو كراع لقبلت". 
قال  ابن عبد البر:   "وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة كان يهدي إلى أصحابه وغيرهم...". 
ويستحب أن يقدم أقاربه في هديته ; (3 ) لما روى  البخاري  من طريق  كريب مولى ابن عباس،  أن  ميمونة  رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أعتقت وليدة، فقال لها: "لو وصلت بعض أخوالك كان أعظم لأجرك". 
وذوي الفضل والعلم ; (4 ) لما روى  البخاري  من طريق هشام،  عن أبيه، عن  عائشة  رضي الله عنها:  "أن  [ ص: 41 ] الناس كانوا يتحرون بهداياهم صلى الله عليه وسلم - يوم  عائشة،  يبتغون بذلك مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم". 
وأقرب الجارين بابا. 
(5 ) لما روى  البخاري  من طريق طلحة بن عبد الله،  عن  عائشة  رضي الله عنها قالت: يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منك بابا  ". 
وتحرم إذا كانت في موضع الرشوة كهدايا العمال كما سيأتي. 
وتكره كما نص الحنابلة  إذا كانت مباهاة أو سمعة أو رياء. 
(6 ) لما روى  البخاري   ومسلم  من طريق  سلمة بن كهيل،  عن جندب العلقي  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "من يسمع يسمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به". 
ويظهر أن الاقتصار على الكراهة حال السمعة والرياء فيه نظر; لما تقدم من الحديث; إذ دل على عقوبة شديدة لا تكون إلا على ذنب عظيم. 
ولأن الرياء نوع من الشرك الأصغر.  
وتباح الهبة: إذا كانت لجميع المال بشرطه. 
 [ ص: 42 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					