[التفسير]: 
تقدم القول في: الم  و الحي القيوم   . 
وقوله: وأنـزل التوراة والإنجيل   (التوراة) : مشتقة من وريت بك زنادي; إذا أظهر به الخير، كما تقدح النار بالزناد.  [ ص: 7 ] 
و (الإنجيل) : من النجل، وهو الأصل، فهو أصل من أصول العلم، ووزنه: (إفعيل) . 
وأصل (توراة) : (تورية) (وورية) ، مثل: (فوعلة) ، قلبت الواو تاء، والياء ألفا، وهي عند الكوفيين: (تفعلة) ، وهو شاذ. 
وقال بعضهم: أصلها: (تفعلة) ، مثل: توصية، صرفت إلى الفتح استثقالا للكسرة في المعتل، وأنكره  الزجاج  ، وغيره. 
وتجمع (التوراة) على: توار، و (الإنجيل) على: أناجيل. 
وتقدم القول في (الفرقان) . 
هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء  يعني: من حسن وقبح، وسواد وبياض، وطول وقصر، وغير ذلك، وأصل (الرحم) : من الرحمة; لأنها مما يتراحم به، واشتقاق (الصورة) : من صاره إلى كذا; إذا أماله. 
وقوله: منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات  قال  ابن عباس  ،  وقتادة  ،  والضحاك   : المحكمات: الناسخات، والمتشابهات: المنسوخات. 
ابن كيسان   : إحكامها: بيانها وإيضاحها.  [ ص: 8 ] 
 مجاهد  ،  وعكرمة   : المحكمات: ما فيه من الحلال والحرام، وما سوى ذلك متشابه، يصدق بعضه بعضا. 
وعن  مجاهد  أيضا: المحكم: ما لم تشتبه معانيه، والمتشابه: ما اشتبهت معانيه. 
 ابن زيد   : المحكم: ما لم يتكرر لفظه، والمتشابه: المتكرر اللفظ. 
 جابر بن عبد الله:  المحكم: ما يعرف تعيين تأويله، والمتشابه: ما لا يعرف تعيين تأويله; نحو ذكر الساعة. 
محمد بن جعفر بن الزبير:  المحكم: ما لا يحتمل إلا وجها، والمتشابه: ما احتمل أكثر من وجه. 
وقيل: المحكمات: ما كان خبرا لا يلحقه نسخ، والمتشابهات: الناسخ والمنسوخ، اشتبه عليهم; لأنهم لا يعلمون منتهى ما يصير إليه أمره، وأمر العمل به.  [ ص: 9 ] 
وعن  ابن عباس   : المحكمات: الآيات الثلاث في آخر (الأنعام) : قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم  إلى ثلاث آيات [151-153]، والمتشابه: ما تشابه عليهم; نحو: (الم) و (الر) . 
وليس قوله: منه آيات محكمات   في قول جميعهم بمزيل الحكمة عن المتشابهات، بل هو كله محكم في أنه يصدق بعضه بعضا، ومن ذلك قوله تعالى: كتابا متشابها مثاني   [الزمر: 23]; أي: في الحكمة، لا اختلاف فيه، ولا تناقض. 
وقوله: (أم الكتاب) أي: هن الشيء الذي يقال له: أم الكتاب; أي: كل آية منه يقال لها ذلك، ومعنى (أم الكتاب) : أصله الذي يستدل به على المتشابه وغيره من أمور الدين. 
(فأما الذين في قلوبهم زيغ) أي: ميل عن الحق. 
(فيتبعون ما تشابه منه) أي: يحتجون به على باطلهم. 
قال  ابن عباس   : يراد بذلك: الخوارج،  ورواه أبو أمامة  عن النبي صلى الله عليه وسلم. 
 [ ص: 10 ]  الربيع بن أنس   : هم وفد نجران.  
 قتادة   : هم كل من احتج بالمتشابه على باطله. 
(ابتغاء الفتنة) أي: الشرك، عن  السدي  ، واللبس، عن  مجاهد   . 
وقيل: (الفتنة) : إفساد ذات البين. 
(وابتغاء تأويله) : قال  ابن عباس   : طلب الأجل في مدة محمد  صلى الله عليه وسلم وأمته من قبل الحروف التي في أوائل السور; يعني: حروف التهجي; لأنهم حسبوها على حساب الجمل، وقالوا: هذه مدة محمد وأمته. 
و (التأويل) : يكون بمعنى: التفسير; كقولك: (تأويل هذه الكلمة على كذا) ، ويكون بمعنى ما يؤول الأمر إليه، واشتقاقه من: آل الأمر إلى كذا، يؤول إليه; أي: صار، وأولته تأويلا; أي: صيرته. 
ابن كيسان   : (التأويل) : ما يؤول إليه معنى الكلام; فالمعنى: ما يرجع إليه معناه، وما يستقر عليه في المتشابه عليهم، هل ينسخ أو لا ينسخ؟. 
وقيل: الفرق بين التأويل والتفسير:  أن التأويل: كقول  ابن عباس   : (الجد أب) ; لأنه تأول قول الله تعالى: يا بني آدم   [الأعراف: 26]، والتفسير: كقولك: (الريب: الشك) . 
(وما يعلم تأويله إلا الله) : روي عن  عائشة،   وابن عمر  ،  وابن عباس  ،  [ ص: 11 ] وغيرهم: أن التمام على قوله: (إلا الله) ، وهو مذهب  الكسائي  ،  والأخفش،   والفراء   ) ،  وأبي عبيدة،  و (الهاء) على هذا تعود على المتشابه على أنه يكون ما يحتمل النسخ من الفرائض; لأنه لا يعلم حين نزوله هل يثبت الحكم به أو ينسخ إلا الله. 
أو يكون المعنى: وما يعلم مدة محمد  صلى الله عليه وسلم وأمته إلا الله، على ما تقدم من زعم اليهود. 
أو يكون المعنى: وما يعلم جميع المتشابه إلا الله; لأن منه ما لا يعلم تأويله، والله عالم بجميعه. 
أو على ما روي عن  ابن عباس   : أن المعنى: وما يعلم جزاءه وثوابه إلا الله -يعني: الكتاب- يوم القيامة، وكذلك قال  أبو عبيدة:  المعنى: وما يعلم مرجعه ومصيره إلا الله. 
أو يكون على مذهب  الشعبي  في حروف التهجي: أنها من سر القرآن الذي لا يعلمه إلا الله، فيكون المتشابه. 
أو يكون على قول  الزجاج   : إنهم طلبوا تأويل بعثهم وإحيائهم، فأعلموا أن ذلك لا يعلمه إلا الله، واستدل عليه بقوله: هل ينظرون إلا تأويله  الآية [الأعراف: 53].  [ ص: 12 ] 
وروى  الكلبي  عن  ابن عباس  أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه:  
تفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعذر الناس بجهله، وتفسير تعلمه العرب بلغتها، وتفسير لا يعلم تأويله إلا الله، ومن ادعى علمه; فهو كاذب. 
وقد روي عن  مجاهد  ،  والربيع بن أنس  ، وغيرهما: أن (الراسخين في العلم) معطوف على اسم الله عز وجل، وأنهم يعلمون تأويله. 
وروي نحوه، عن  ابن عباس  أنه قال: (أنا ممن يعلم تأويله) ، فالهاء على هذا تعود على جميع الكتاب. 
(كل من عند) :  ابن عباس   : ما نسخ وما لم ينسخ. 
(ربنا لا تزغ قلوبنا) أي: لا تملها عن الحق، ابن كيسان   : سألوا ألا يزيغوا; فتزيغ قلوبهم. 
(ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه) أي: عند أهل الحق. 
وقيل: (لا ريب فيه) : إذا شاهده المصدق والمكذب. 
ابن كيسان   : دليله قائم في أنفس العباد وإن جحدوه; لإقرارهم بالنشأة الأولى. 
(إن الله لا يخلف الميعاد) : قيل: هو من جملة الدعاء، وقيل: هو مستأنف. 
 [ ص: 13 ] لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا   : قال أبو عبيدة: (من) بمعنى (عند) ،  المبرد   : هي على أصلها، والتقدير: لن تغني عنهم غنى ابتداؤه الشيء الذي لا يكون الغنى إلا منه. 
(كدأب آل فرعون) أي: كعادتهم; أي: عادتهم في كفرهم، كعادة آل فرعون، والدؤوب على الشيء: الاجتهاد فيه. 
وقيل: الكاف متعلقة بـ (وقود النار) ، والمعنى: عذبوا تعذيبا كما عذب آل فرعون. 
وقيل: هي متعلق بقوله: (كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم) أي: أخذهم أخذا كما أخذ آل فرعون. 
وقيل: هي متعلقة بقوله:( لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا) أي: لم تغن عنهم، كما لم تغن الأموال والأولاد عن آل فرعون، وهذا جواب لمن تخلف عن الجهاد وقال: شغلتنا أموالنا وأهلونا   [الفتح: 11]. 
قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون  الآية: 
روي: أن النبي عليه الصلاة والسلام جمع اليهود، فقال لهم: "أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا يوم بدر"، فقالوا: لا تغرنك نفسك أنك  [ ص: 14 ] قتلت قريشا، وكانوا أغمارا لا يعرفون القتال، أما إنك لو قاتلتنا لعرفت ما نحن عليه، فنزلت الآية. 
وقيل: نزلت لما فرح اليهود بما أصاب المسلمين يوم أحد;  فالمعنى على هذا: (سيغلب المشركون) على قراءة من قرأ: (سيغلبون ويحشرون) بالياء، والتاء على خطاب اليهود، على ما تقدم. 
قد كان لكم آية في فئتين التقتا  الآية; يعني: المؤمنين والمشركين يوم بدر.  
وقوله: (ترونهم مثليهم رأي العين) : كان المسلمون يوم بدر  ثلاث مئة وبضعة عشر، والمشركون نحو ألف، وقيل: تسع مئة وخمسين، فقلل الله المشركين في أعين المسلمين، فأراهم إياهم مثلي عدتهم; لتقوى أنفسهم; إذ قد وعدهم أن الرجل من المسلمين يغلب الرجلين من المشركين،  [ ص: 15 ] وقلل المسلمين في أعين المشركين; ليجترئوا عليهم، فينفذ حكم الله فيهم. 
ابن كيسان   : الهاء والميم في (ترونهم) عائدة على (وأخرى كافرة) ، والهاء والميم في (مثليهم) عائدة على (فئة تقاتل في سبيل الله) ، وهذا من الإضمار الذي يدل عليه سياق الكلام; وهو قوله: (يؤيد بنصره من يشاء) ، فدل ذلك على أن الكافرين كانوا مثلي المسلمين في رأي العين، وثلاثة أمثالهم في العدد، قال: والرؤية ههنا لليهود، وزعم  الفراء   : أن معنى (ترونهم مثليهم) : ثلاثة أمثالهم، وهو بعيد غير معروف في اللغة. 
(إن في ذلك لعبرة) الآية; (العبرة) أي: يعبر بها من منزلة الجهل إلى منزلة العلم، و (أولو الأبصار) : أولو العقول. 
وقوله تعالى: (والقناطير المقنطرة) : (القنطار) : المال الكثير المعقود، كالقنطرة المعقودة بالبناء، و (المقنطرة) : المضاعفة، عن  قتادة  ،  السدي   : المضروبة دنانير أو دراهم. 
ابن كيسان  ،  والفراء   : لا تكون المقنطرة أقل من تسعة قناطير. 
 [ ص: 16 ] وقيل: هو كـ (دراهم مدرهمة) ; أي: مجعولة كذلك. 
 ابن عباس  ،  والحسن  ، وغيرهما: القنطار: ألف ومئتا دينار، [وعن  ابن عباس  ، أيضا: ألف ومئتا أوقية، وعنه: سبعون ألف درهم. 
 الحسن   : ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم. 
 قتادة   : ثمانون ألف درهم، أو مئة رطل.  مجاهد  ، وعطاء   : سبعون ألف دينار. 
 الربيع بن أنس   : المال الكثير. 
وقيل: هو ملء مسك ثور ذهبا أو فضة. 
(والخيل المسومة) : الراعية، عن  ابن عباس  ،  وسعيد بن جبير،  وغيرهما، يقال: أسمت الإبل وسومتها; إذا رعيتها. 
 مجاهد  ،  وعكرمة  ،  والسدي   : (المسومة) : الحسنة ، وهو مأخوذ من السيماء; وهو  الحسن   . 
 قتادة   : المعلمة، وروي ذلك عن  ابن عباس  ، مأخوذ من السيماء; وهي  [ ص: 17 ] العلامة، وهذا مذهب  الكسائي  ،  وأبي عبيدة.  
 ابن زيد   : المعدة للجهاد. 
وواحد (الخيل) خائل، عن  أبي عبيدة  ، سميت بذلك; لاختيالها في مشيها. 
وقيل: هو اسم يراد به الجمع، لا واحد له من لفظه. 
(والأنعام) : الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها، ولا يستعمل النعم لجنس منها مفردا، إلا الإبل. 
و (المآب) : المرجع. 
(قل أأنبئكم بخير من ذلكم) : منتهى الاستفهام عند قوله: (بخير من ذلكم) ، ثم استأنف (للذين اتقوا عند ربهم) ، وقيل: منتهاه: (عند ربهم) . 
(ورضوان من الله) : (الرضوان) : مصدر (رضي) . 
وقوله: (الصابرين) يعني: عن المعاصي، وقيل: على الطاعة. 
(والصادقين) : في أقوالهم وأعمالهم. 
وتقدم معنى (والقانتين) [البقرة: 116، 238]. 
(والمنفقين) يعني: المتصدقين. 
 [ ص: 18 ]  (والمستغفرين بالأسحار) : قال  أنس بن مالك   : هم السائلون المغفرة،  قتادة   : المصلون. 
(شهد الله أنه لا إله إلا هو) أي: أخبر بما يقوم مقام الشهادة. 
 الزجاج   : الشاهد: هو الذي يعلم الشيء ويبينه،  فقد دلنا الله عز وجل على وحدانيته بما خلق وبين. 
 أبو عبيدة:   (شهد الله) بمعنى: قضى الله; أي: أعلم. 
(قائما بالقسط) أي: بالعدل. 
( إن الدين عند الله الإسلام) أي: الاستسلام والانقياد لأمر الله تعالى. 
(فإن حاجوك) : قيل: يعني: نصارى نجران.  
(فقل أسلمت وجهي لله) أي: انقدت لأمره، وقصدته بالعبادة والتوحيد. 
(وقل للذين أوتوا الكتاب) يعني: اليهود والنصارى،(والأميين) يعني: العرب. 
(أأسلمتم) تهديد، وقيل: معناه الأمر; أي: أسلموا. 
(فإنما عليك البلاغ) أي: ليس عليك ألا يتولوا، إنما عليك أن تبلغ، وقيل: إنه مما نسخ بالجهاد. 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					