التفسير: 
قوله:  (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله)   المعنى: على أي حال تكفرون وأنتم ترون ذلك؟ويدخل في هذه الآية من لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، لأن ما فيهم من سنته يقوم مقام رؤيته. 
(ومن يعتصم بالله) أي: يمتنع به. 
 (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)   : قال  ابن مسعود  وغيره: (حبل الله) : القرآن، ورواه  الخدري  عن النبي عليه الصلاة والسلام. 
 ابن عباس   : الحبل: العهد. 
 ابن زيد   : حبل الله: دينه، وأصله في اللغة: السبب، فحبل الله: هو سبب النجاة.  [ ص: 103 ] 
(ولا تفرقوا) أي: لا تتفرقوا في دينكم كما تفرقت اليهود والنصارى في أديانهم، عن  ابن مسعود  وغيره. 
 الحسن   : لا تتفرقوا على النبي صلى الله عليه وسلم. 
(واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) يعني: ما كان بين الأنصار، وأن الله أصلح بينهم بالنبي عليه الصلاة والسلام، عن  قتادة  وغيره. 
 الحسن   : المراد بالآية: ما كان بين مشركي العرب من الطوائل. 
و (الإخوان) : جمع أخ، وسمي أخا; لأنه يتوخى مذهب أخيه; أي: يقصده. 
(إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار) : (الشفا) : الحرف، وهو من الياء، وفيه لغة أنه من الواو، وهذا تمثيل يراد به خروجهم من الكفر إلى الإيمان. 
 (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير)  قيل: إن (من) للتبعيض، ومعناه: أن الآمرين يجب أن يكونوا علماء، وليس كل الناس علماء.  [ ص: 104 ] 
وقيل: (من) لبيان الجنس، والمعنى: (لتكونوا كلكم كذلك) . 
(ولا تكونوا كالذين تفرقوا) يعني: اليهود والنصارى. 
 (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)   : (ابيضاض الوجوه) : إشراقها بالنعيم) ، و (اسودادها) : هو ما يرهقها من العذاب الأليم. 
والذين تسود وجوههم في قول أبي بن كعب: هم الكفار، وقيل لهم: (أكفرتم بعد إيمانكم) ; لإقرارهم حين أخرجهم الله من ظهر آدم كالذر، وهو اختيار  الطبري   . 
 الحسن   : هي في المنافقين،  قتادة   : هي في المرتدين. 
 الزجاج   : هي في أهل الكتاب; لأنهم آمنوا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم وبعثه قبل أن يبعث، فلما بعث; كفروا به. 
 مالك بن أنس   : هي في أهل الأهواء. 
 أبو أمامة الباهلي  عن النبي صلى الله عليه وسلم: (هي في الحرورية) . 
 [ ص: 105 ] وفي خبر آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنها في القدرية) . وجواب (أما) محذوف، والمعنى: فيقال لهم: أكفرتم؟. 
(ولله ما في السماوات وما في الأرض) : وجه اتصال هذا بما قبله: أنه لما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين، وأنه لا يريد ظلما للعالمين، وصله بذكر اتساع قدرته وغناه عن الظلم; لكون ما في السماوات وما في الأرض في قبضته. 
 (كنتم خير أمة أخرجت للناس)  الآية. 
قال  مجاهد   : المعنى: كنتم خير أمة أخرجت للناس على الشرائط المذكورة في الآية. 
وقيل: المعنى: كنتم في اللوح المحفوظ. 
وقيل: جاء ذلك لتقدم البشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمته، فالمعنى: كنتم عند من تقدمكم من أهل الكتاب خير أمة. 
وقيل: هي (كان) التامة، [والمعنى: حدثتم خير أمة، فـ (خير أمة) : حال]، وقيل: (كان) زائدة، والمعنى: أنتم خير أمة. 
(لن يضروكم إلا أذى) يعني: كذبهم وتحريفهم، عن  الحسن  ،  وقتادة   . 
فالاستثناء متصل، والمعنى: لن يضروكم إلا ضرا يسيرا، فوقع  [ ص: 106 ]  (الأذى) موقع المصدر. 
وقيل: هو منقطع، والمعنى: لن يضروكم ألبتة، لكن يؤذونكم بما يسمعونكم. 
وفي قوله: (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار) معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم; لأن كل من قاتله من اليهود ولى دبره. 
 (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا)  يعني: اليهود، عن  الحسن  وغيره، و (الحبل) ههنا: العهد، والمعنى: ضربت عليهم الذلة في كل حال إلا بحبل من الله; فهو استثناء منقطع. 
وقيل: هو متصل; لأن عز الإسلام عز لهم بالذمة، وإن كان لا يخرجهم من الذلة في أنفسهم. 
بعض الكوفيين: هو متصل محمول على المعنى; لأن معنى الكلام: ضربت عليهم الذلة بكل موضع إلا بموضع من الله. 
 الفراء   : المعنى: إلا أن يعتصموا بحبل من الله، فحذف. 
وقوله: (ليسوا سواء)   :  ابن مسعود   : معناه: ليس أهل الكتاب وأمة محمد  صلى الله عليه وسلم سواء، وقال: نزلت الآية بسبب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة ليلة، ثم خرج، ومن الناس المصلي، ومنهم المضطجع، فبشرهم وقال: "إنه لا يصلي هذه  [ ص: 107 ] الصلاة أحد من أهل الكتاب، فنزلت الآية. 
وقيل: المعنى: ليس المؤمنون والكافرون من أهل الكتاب سواء، والوقف على هذه الأقوال على (سواء) . 
 الفراء   : في الكلام حذف، والتقدير: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة مستقيمة وأمة غير مستقيمة، كما تقول: (سواء  علي  قيامك وقعودك) . 
 أبو عبيدة:  هو على قول من قال: (أكلوني البراغيث)) ، فـ (أمة) : اسم (ليس) ، و (سواء) : خبرها. 
ومعنى (قائمة) : ثابتة على أمر الله عز وجل، عن  ابن عباس  وغيره. 
 السدي   : (قائمة) بطاعة الله،  الحسن   وابن جريج   : عادلة. 
 الزجاج   : المعنى: ذوو أمة مستقيمة; أي: طريقة. 
و (آناء الليل) : ساعاته، عن  الحسن  وغيره. 
 [ ص: 108 ]  ابن مسعود   : يعني: صلاة العتمة. 
 الثوري   : الصلاة بين العشاءين. 
 ابن عباس  وغيره: نزلت الآية في ابن سلام  ونظرائه، حين قالت اليهود: ما آمن بمحمد الا شرارنا. 
وواحد (الآناء) ; قيل: (أني) ، وقيل: (أنى) ، وقيل: (إني) ، وقيل: (إنى) . 
ومعنى (وهم يسجدون) : يصلون، في قول  الفراء  ،  والزجاج   ; لأن القراءة لا تكون في الركوع والسجود. 
وقيل: يراد به: السجود المعروف خاصة. 
وقوله: (ويأمرون بالمعروف) : قيل: هو عموم، وقيل: يراد به: الأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، و (النهي عن المنكر) : النهي عن مخالفته. 
(ويسارعون في الخيرات) أي: يعملونها مبادرين غير متثاقلين; لمعرفتهم بقدر ثوابها، وقيل: يبادرون بالعمل قبل الفوت. 
 (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر)  قيل: إن النفقة المذكورة ههنا عموم لنفقات الكفار، كانت في طاعة أو معصية; لأن كفرهم يحبط أعمالهم، وقيل: هي مخصوصة في أبي سفيان  وأصحابه، ومن جرى مجراهم من المتحزبين على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. 
وقيل: هي في نفقة المنافقين مع المؤمنين في حرب المشركين; لأنهم ينفقونها رياء غير مصدقين. 
 [ ص: 109 ] وقيل: المراد بذلك: قول المنافقين بأفواههم; لأنهم لا ينتفعون به. 
و (الصر) : البرد، عن  ابن عباس  ،  والحسن  ، وغيرهما، وأصله: من الصرير الذي هو الصوت، فهو صوت الريح الشديدة. 
 الزجاج   : الصر: صوت لهيب النار التي كانت في تلك الريح. 
وقوله: (ظلموا أنفسهم) : [قيل: معناه: أذنبوا، فعوقبوا بإهلاك زرعهم، وقيل: ظلموا أنفسهم بأن] زرعوا في غير وقت الزراعة، أو في غير موضعها، فأدبهم الله تعالى; لوضعهم الشيء في غير موضعه. 
 (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم)    : (البطانة) : الخاصة الذين يطلعون على باطن الأمر، ومعنى (من دونكم) : من دون أهل دينكم، و (من) : تصلح أن تكون للتبعيض، كأنه قال: لا تتخذوا بعض المخالفين في الدين بطانة، وتصلح أن تكون لبيان الجنس، وقيل: هي زائدة. 
قال  ابن عباس   والحسن   : نزلت في قوم من المسلمين خالطوا حلفاء لهم من المشركين، واليهود، والمنافقين، وصافوهم بالمودة. 
 [ ص: 110 ]  (لا يألونكم خبالا) أي: لا يقصرون في أمركم خبالا، و (الخبال) : الفساد. 
(ودوا ما عنتم) أي: ما شق عليكم، وتقدم القول في العنت. 
(ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله) : قال  ابن عباس   : يعني: بالكتب. 
(عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) : لما يرونه من ائتلاف المسلمين. 
و (الأنامل) : أطراف الأصابع، واحدها: أنملة. 
(قل موتوا بغيظكم) : دعاء عليهم. 
(إن تمسسكم حسنة تسؤهم) أي: ظفر وغنيمة. 
(وإن تصبكم سيئة) أي: هزيمة وغلبة. 
(إن الله بما يعملون محيط) : وعيد. 
				
						
						
