التفسير : 
تقدم القول في {كهيعص} . 
وقوله : 
ذكر رحمت ربك عبده زكريا   أي : هذا الذي يتلى عليك ذكر رحمة ربك عبده زكريا  ؛ والمعنى ذكر ربك عبده زكريا  رحمة منه ، ففيه تقديم وتأخير ؛  [ ص: 239 ] لما كان سبب ذكر زكريا  الرحمة من الله تعالى ؛ أضيف الذكر إلى الرحمة ؛ لأنه من أجلها كان . 
الفراء : {ذكر} : مرفوع بـ {كهيعص} . 
 الأخفش   : التقدير : وفيما يتلى عليك ذكر رحمة ربك عبده زكريا   . 
ومن قرأ : {ذكر رحمة ربك} ؛ ففاعل {ذكر} ضمير ما تقدم ؛ كأنه قال : هذا القرآن يذكر رحمة ربك . 
وقوله : إذ نادى ربه نداء خفيا   : قيل : أخفى دعاءه كراهية الرياء . 
وتقدم القول في (الوهن ) . 
وقوله : واشتعل الرأس شيبا   : هذا من أحسن الاستعارة في كلام العرب  ، و (الاشتعال ) : انتشار شعاع النار ، شبه به انتشار الشيب في الرأس . 
وقوله : ولم أكن بدعائك رب شقيا  أي : لم أكن إذ دعوتك مخيبا . 
وإني خفت الموالي من ورائي  يعني : العصبة ، عن  مجاهد   والسدي  ، وغيرهما . 
 أبو عبيدة   : يعني : بني العم . 
 [ ص: 240 ] وقيل : إنما خاف أن تنقطع النبوة من نسله ، وتصير في عصبة في غير ولد يعقوب  ، وزكريا  من ولد يعقوب   . 
ومعنى من ورائي   : من قدامي ، وقيل : من بعد موتي . 
وقوله : فهب لي من لدنك وليا  يرثني ويرث من آل يعقوب  أي : يكون نبيا كما كانوا أنبياء . 
 الحسن   : يرث مالي ، ويرث من آل يعقوب  النبوة . 
 مجاهد   : المعنى : يرث علمه ، وكان زكريا  من آل يعقوب   . 
 السدي   : يرث نبوته ، ويرث نبوة آل يعقوب   . 
وقوله : يا زكريا إنا نبشرك بغلام  أي : فنودي : يا زكريا   . 
وقوله : لم نجعل له من قبل سميا   : قال  ابن عباس   : لم تلد العواقر مثله . 
 مجاهد   : لم نجعل له مثلا ، وقيل : لم يسم أحد قبله باسمه ، عن  قتادة  ،  وابن جريج  ، وغيرهما . 
وقوله : وقد بلغت من الكبر عتيا  يعني : النهاية في الكبر ، واليبس ، والجفاف ، ومثله : العسي . 
 قتادة   : كان قد بلغ بضعا وسبعين سنة . 
 [ ص: 241 ] قال كذلك قال ربك  أي : الأمر كما قيل لك . 
وقوله : وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا  أي : لم تك شيئا موجودا . 
وقوله : قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا  أي : وأنت مع ذلك سوي ، وقيل : المعنى : ثلاث ليال متتابعات ؛ فيكون {سويا} من نعت (الليالي ) ، وهو على القول الأول من نعت المخاطب ، وتقديره التقديم . 
وقوله : فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا  أي : أومأ إليهم بذلك . 
 الضحاك   : كتب لهم . 
ومعنى {سبحوا} : صلوا ، عن  قتادة  ،  والحسن  ، وقيل ، أمرهم بالتسبيح طرفي النهار . 
وقوله : يا يحيى   : [أي : قلنا له : يا يحيى ] . 
خذ الكتاب بقوة  أي : بجد . 
وقوله : وآتيناه الحكم صبيا  أي : الفهم لكتاب الله تعالى ، قاله أكثر المفسرين . 
قال  معمر   : قال الصبيان ليحيى : تعال حتى نلعب ؛ فقال : ما للعب خلقنا ، فذلك قوله : وآتيناه الحكم صبيا   . 
وقوله : وحنانا من لدنا   : قال  ابن عباس  وغيره ، المعنى : ورحمة من عندنا . 
 [ ص: 242 ]  الضحاك   : أي نعمة من عندنا ، لا يملك أحد إعطاءها غيرنا . 
 ابن زيد  ،  وعكرمة   : المعنى : ومحبة من عندنا ،  مجاهد  ، وتعطفا ،  عطاء  ، وتعظيما . 
وقيل : المعنى : آتيناه رحمة بالعباد ، وتحننا عليهم ؛ ليخلصهم من الكفر إلى الإيمان . 
وأصل (الحنان ) في اللغة : الرحمة ؛ من (حنين الناقة على ولدها ) . 
وقوله : {وزكاة} : قال  قتادة  ،  والضحاك  ، وغيرهما : أي : وعملا صالحا زكيا . 
 الحسن   : المعنى : وزكاة لمن قبل عنه حتى يكونوا أزكياء . 
 قتادة   : (الزكاة ) : الصدقة . 
 ابن عباس   : طهر فلم يعمل بذنب ، فهو الزكاة . 
وقوله : وسلام عليه يوم ولد  أي : أمان من الشيطان حين ولد ، فلم يذنب في الدنيا . 
ويوم يموت}  يعني : فتاني القبر . 
ويوم يبعث حيا  يعني : الفزع الأكبر ، وعذاب الآخرة . 
وقوله : واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا  معنى {انتبذت} : تنحت ، وتباعدت . 
 [ ص: 243 ] مكانا شرقيا  أي : موضعا من جهة المشرق ، وقيل : إنها اعتزلت فيه ؛ لتغتسل من الحيض ، وقيل : لتخلو بالعبادة ، وقيل : إنما اعتزلت في شرقي المحراب . 
وقوله :  {فاتخذت من دونهم حجابا   : قال :  ابن عباس   : أي حجابا من الشمس ، أظلها الله بها ، وجعل لها منها حجابا يسترها من الناس . 
 السدي   : حجابا من الجدران . 
قوله : فأرسلنا إليها روحنا  يعني : جبريل  عليه السلام ، عن  الحسن  ،  وقتادة  ، وغيرهما . 
وقيل : هو عيسى عليه السلام  ، بعث إلى مريم  ، فدخل فيها ؛ فيكون معنى فتمثل لها   : فتمثل فيها . 
وقوله : قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا   : هذا يدل على أنه تمثل بها شخصا تراه ؛ والمعنى : إن كنت تقيا ؛ فستتعظ بتعويذي بالله منك ؛ فـ {إن} - على هذا - للشرط ، وقيل : هي نفي بمعنى : (ما ) ؛ والمعنى : ما كنت تقيا . 
 وهب بن منبه   : تعني بقولها : إن كنت تقيا   : إنسانا كان معروفا بالشر عندهم ، اسمه : (تقي ) ؛ فـ {إن} : للشرط . 
 [ ص: 244 ] وقوله : لأهب لك غلاما زكيا   : من قرأ : لأهب لك  ؛ [فالمعنى : لأهب لك ] بأمر الله ، ومن قرأ : {لأهب لك} ؛ فالمعنى : ليهب لك ربك ، ويجوز أن يكون {لأهب} مخففا من {لأهب} . 
ومعنى (زكي ) : تام على الخير والبركة ، وقيل (الزكي ) : الطاهر من الذنوب . 
ولم أك بغيا  أي : زانية ؛ والمعنى : طالبة للزنا . 
قال وهب   : نفخ جبريل  في جيب درعها ، فوصلت النفخة إلى الرحم . 
 السدي   : نفخ في جيب درعها ، فدخلت النفخة صدرها . 
 ابن جبير   : نفخ في جيب درعها وفي رحمها . 
ومعنى  {هو علي هين   : سهل بغير مشقة ولا كلفة . 
وقوله : فانتبذت به مكانا قصيا   : أي : بعيدا ، يروى : أنه بيت لحم  أقصى الوادي ، ويروى : أنها ذهبت لما حملت إلى أدنى أرض مصر  ، وأقصى أرض الشام  ؛ فرارا من أهلها . 
وقوله : فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة  أي : جاء بها : وقال  ابن عباس  ،  ومجاهد  ، وغيرهما ، ألجأها ، و {المخاض} : الحمل . 
وقوله : قالت يا ليتني مت قبل هذا  أي : قالت ذلك في حال الطلق ؛ استحياء من الناس  ، عن  السدي   . 
 [ ص: 245 ] وقوله : وكنت نسيا منسيا   : (النسي ) : الشيء المتروك حتى ينسى . 
وقيل : الشيء الحقير الذي لا يعبأ به . 
وقال  مجاهد  ،  وعكرمة   : يعني : حيضة ملقاة . 
قال  ابن عباس   : حملت به وولدته في ساعة ، وقال  مجاهد   : حملت به ستة أشهر ، وقيل : ثمانية أشهر ، وذلك آية له ؛ لأنه لا يولد مولود لثمانية أشهر فيعيش ، وكذلك لا يولد أيضا لستة أشهر فيعيش . 
قال  الزجاج   : قوله : فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة   : دليل على طول مكثه . 
وقوله : فناداها من تحتها ألا تحزني   : قال  ابن عباس  وغيره : ناداها جبريل  ، وقال  مجاهد  ،  والحسن  ، وغيرهما : ناداها عيسى  ؛ فإن كان جبريل  ؛ فالمعنى : من مكان تحت المكان الذي هي فيه ، وإن كان عيسى  ؛ فالمعنى : من تحت ثيابها . 
وقوله : قد جعل ربك تحتك سريا   : قال :  البراء بن عازب   : (السري ) : الجدول ،  الضحاك   وقتادة   : النهر الصغير ، والقولان سواء ، وسمي النهر الصغير {سريا} ؛ لأنه يسري بجريانه ؛ ولذلك قيل له أيضا : (جدول ) ؛ لشدة جريه . 
 مجاهد   : (السري ) : النهر بالسريانية ، وقيل : بالنبطية . 
 الحسن  ،  وابن زيد   : (السري ) : عيسى  عليه السلام ؛ والمعنى : قد جعل ربك تحتك شخصا سريا . 
 [ ص: 246 ] وقوله : وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا   : (الباء ) في  {بجذع النخلة   : زائدة ، و (الجني ) : ما أخذ من الثمرة الطرية ، وروي : أنه كان جذعا يابسا بغير رأس ، وكان شتاء ، فأنبت الله تعالى له رأسا ، وجعل فيه رطبا . 
وقوله : وقري عينا  أي : لتبرد عينك برد سرور ؛ أي : لم تسخن بخروج الدمع ، يقال في لغة قريش : (قررت به عينا ، أقر قرورا ) ، و (قررت بالمكان ، أقر قرارا ) ، وأهل نجد  يقولون : (قررت ) في العين والمكان . 
وقوله : فقولي إني نذرت للرحمن صوما}  أي : صمتا ، عن  ابن عباس  ، وغيره . 
 قتادة   : صوما عن الطعام ، والشراب ، والكلام . 
 ابن مسعود   : إنما أمرت بذلك ؛ لينطق ولدها بما يبرئ به ساحتها . 
 السدي   : كان من صام في ذلك الزمان لا يكلم الناس . 
ومعنى : فقولي إني نذرت للرحمن صوما   : أشيري إليهم بذلك . 
وقوله : لقد جئت شيئا فريا  أي : عظيما ، عن  مجاهد  ،  وقتادة  ،  والسدي   . 
 سعيد بن مسعدة   : مختلقا مفتعلا . 
 أبو عبيدة   : عجيبا . 
وقيل : المعنى : بديعا ، لم تسبقي إليه ، قاله قطرب  ، وقال : زعم أبو حيوة  أن (الفري ) : الجديد من الأسقية . 
 [ ص: 247 ] يا أخت هارون   : قال  السدي   : هو هارون  أخو موسى  عليه السلام ، نسبت إليه ؛ لأنها من ولده ، [كما يقال : (يا أخا بني تميم ) ] . 
وقيل : هو رجل صالح من بني إسرائيل ، شبهت به في صلاحه ، عن  قتادة  ،  وابن زيد   . 
 ابن جبير   : كان هارون  رجلا فاسقا ، فنسبوها إليه قبل أن يعرفوا براءتها . 
وقال بعض المفسرين : كان لها أخ صالح يسمى هارون   . 
وقوله :  {وما كانت أمك بغيا  أي : فاجرة . 
فأشارت إليه  أي : أشارت إلى عيسى  أن كلموه ، فقالوا : كيف نكلم من كان في المهد صبيا   : دخلت {كان} زائدة مؤكدة ، وقيل : هي بمعنى : (وقع ) ، و (خلق ) . 
وقيل : في الكلام معنى الشرط ؛ والمعنى : من كان في المهد صبيا ؛ فكيف نكلمه ؟ و {المهد} : يراد به : حجر مريم . 
وقوله : قال إني عبد الله آتاني الكتاب  أي : قضى أن يؤتينيه ، وكذلك معنى قوله : وجعلني نبيا  وجعلني مباركا  ، وما عطف عليه . 
ومعنى {مباركا} : ثابتا على ديني ؛ من قولهم : (برك البعير ) ؛ إذا ثبت في الأرض ، وقيل : يعني : ما أتاهم به من البركات . 
وقوله : وأوصاني بالصلاة والزكاة  أي : بالصلاة والطهارة ، وقيل : يعني  [ ص: 248 ] به : زكاة المال . 
وقوله : ذلك عيسى ابن مريم قول الحق  أي : ذلك الذي قال هذا عيسى ابن مريم   . 
و {يمترون} معناه : يشكون . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					