التفسير : 
لا أقسم بيوم القيامة   : قيل : إن {لا} صلة ، وجاز وقوعها في أول السورة؛  [ ص: 534 ] لأن القرآن متصل بعضه ببعض ، فهو في حكم كلام واحد ، وقيل : هي رد لكلام تقدم في سورة أخرى . 
ومن قرأ : لا أقسم  ؛ فهو على ما تقدم من دخول اللام على فعل الحال . 
و (النفس اللوامة) : المذمومة ، عن  ابن عباس   . 
 مجاهد   : هي التي تلوم صاحبها ندما على ما فات . 
 الحسن   : هي نفس المؤمن ، تقول لصاحبها : لم أكلت؟ لم فعلت؟ والكافر لا يعاتب نفسه ، يمر قدما قدما في الذنوب . 
 سعيد بن جبير   : المعنى : اللوامة في الخير والشر؛ يعني : قلة صبرها . 
وليست {لا} في قوله : ولا أقسم بالنفس اللوامة  زائدة . 
وقوله : أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه  أي : لا نبعثه . 
بلى قادرين  أي : بلى لنجمعنها قادرين على أن نسوي بنانه   : قال  ابن عباس   : أن نجعل رجله كخف البعير ، وحافر الدابة ، وقيل : المعنى : نقدر على أن نسوي السلاميات بالبنان ، وقيل : المعنى نعيد بنانه إلى ما كانت؛ يعني : بالبعث . 
وقوله : بل يريد الإنسان ليفجر أمامه   : قال  ابن عباس   : يعني : الكافر ، يريد ليكفر بيوم الحساب ،  ابن جبير :  المعنى : يسوف بالتوبة ، يقول : أذنب ، ثم أتوب ، الضحاك : 
 [ ص: 535 ] يركب رأسه في طلب الدنيا دائبا ، فالهاء على هذه الأقوال للإنسان ، وقيل : الهاء لـ (يوم القيامة) ؛ والمعنى : بل يريد الإنسان ليكفر بالحق بين يدي يوم القيامة ، و (الفجور) أصله : الميل عن الحق . 
وقوله : يسأل أيان يوم القيامة  أي : متى يوم القيامة؟ 
وقوله : فإذا برق البصر   : قال  مجاهد  وغيره : هذا عند الموت ، وقال  الحسن  وغيره : هذا يوم القيامة ، قال : وفيه معنى الجواب عما سأل عنه الإنسان؛ كأنه قال : يوم القيامة إذا برق البصر ، وخسف القمر . 
قال  أبو عمرو   : {برق} بالكسر : تحير . 
الفراء : يفتح عينيه ، فتبرق؛ لشدة ما يعاين من الأموال ، (برق البصر يبرق برقا) ؛ إذا لمع ، وقيل : إن كسر الراء وفتحها لغتان بمعنى . 
ومعنى وخسف القمر   : ذهب ضوءه . 
وجمع الشمس والقمر  أي : كورا ، عن  مجاهد   . 
 عطاء بن يسار   : يجمع الشمس والقمر يوم القيامة ، فيرمى بهما في البحر ، فيصير نارا . 
وقيل : المعنى : جمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء ، فلم يكن لواحد منهما نور؛ ولذلك قال : {وجمع} ، ولم يقل : (جمعت) ؛ حملا على معنى (بين) . 
 [ ص: 536 ] وقيل : هو على تغليب المذكر . 
 الكسائي   : هو محمول على المعنى؛ كأنه قال : جمع الضوءان . 
 المبرد   : التأنيث غير حقيقي . 
ومعنى : أين المفر   : أين الفرار؟ 
{كلا} أي : ليس ثم يومئذ فرار . 
لا وزر   : قال  ابن عباس  ،  ومجاهد   : أي : لا ملجأ ، مطرف : لا جبل ، ابن جبير : لا محيص ، ولا منعة ، و (الوزر) في اللغة : ما يلجأ إليه من حصن ، أو جبل ، أو غيرهما . 
وقوله : إلى ربك يومئذ المستقر  أي : هو يقر خلقه مقرهم يوم القيامة . 
وقوله : ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر   : قال  ابن عباس   : أي : بما قدم من المعصية ، وأخر من الطاعة ، وعنه أيضا : بما قدم قبل موته ، وأخر من سنة يعمل بها من بعده . 
 مجاهد  ،  والنخعي   : ينبأ بأول عمله وآخره . 
ابن زيد : ينبأ بما أخذ ، وما ترك . 
وقوله : بل الإنسان على نفسه بصيرة  أي : شاهد ، عن  ابن عباس  ، وهو شهود جوارحه عليه ، وقيل : يراد به : الكاتبان ، يدل عليه قوله : ولو ألقى معاذيره  ، في  [ ص: 537 ] من جعل (المعاذير) الستور ، وهو قول  السدي   . 
 الزجاج   : واحد (المعاذير) : (معذار) . 
وقال  ابن عباس   : المعنى : ولو اعتذر؛ فعليه شاهد يكذبه ، وعنه أيضا : ولو تجرد من ثيابه . 
 الحسن   : المعنى : ولو اعتذر؛ لم تقبل منه معذرته . 
وقوله : لا تحرك به لسانك لتعجل به   : قال  ابن عباس   : كان النبي عليه الصلاة والسلام يلقى من التنزيل شدة ، فيحرك به شفتيه؛ خشية أن ينفلت منه ، فأعلمه الله أن عليه جمعه في صدره . 
وعن  ابن عباس  أيضا ، وغيره : أنه كان يحرك به لسانه؛ لحبه إياه . 
وعن  ابن عباس  أيضا : أن المعنى : لا تتكلم بما أوحي إليك حتى يقضى إليك وحيه . 
ومعنى {وقرآنه} : وأن تقرأه . 
وقوله : فإذا قرأناه  أي : أنزلناه إليك ، عن ابن عباس ، وعنه أيضا : فإذا  [ ص: 538 ] تلي عليك ، فاتبع ما فيه ، وقيل : المعنى : فأنصت ، واستمع . 
وقوله : ثم إن علينا بيانه  أي : علينا أن نبينه بلسانك ، وقيل : بيان ما فيه من الحلال والحرام . 
وعن  قتادة   : أن المعنى : إن علينا جمعه في صدرك ، {وقرآنه} ؛ أي : تأليفه على ما نزل عليك . 
وقوله : وجوه يومئذ ناضرة  يعني : نضرة النعيم ، وهو إشراقها ، وقال أبو صالح : حسنة ، مجاهد : مسرورة ،  الحسن   : بهجة ،  ابن زيد   : ناعمة ، وكله يرجع إلى معنى واحد . 
وقوله : إلى ربها ناظرة   : هذا تصريح بأن الأبرار يرون الله عز وجل في الآخرة  ، وقد تقدم ذلك في (سورة الأنعام) [103] . 
وقوله : ووجوه يومئذ باسرة  أي : عابسة مقطبة . 
تظن أن يفعل بها فاقرة   : معنى : {تظن} : توقن ، و (الفاقرة) : الداهية ، عن  مجاهد  وغيره ، وحقيقتها : التي تكسر فقار الظهر . 
ابن زيد : يعني به : دخول النار . 
وقوله : كلا إذا بلغت التراقي  أي : حقا إذا بلغت النفس التراقي؛ وهو مقدم الحلق من أعلى الصدر ، وهو موضع الحشرجة . 
 [ ص: 539 ] وقيل من راق   : هو من الرقية ، عن  ابن عباس  ،  وقتادة  ، وغيرهما؛ والمعنى : من يرقيه؟ وروي عن  ابن عباس  أيضا ، وأبي الجوزاء   : أنه من (رقى يرقى) ؛ إذا صعد؛ والمعنى : من يرقى بروحه إلى السماء؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ 
وظن أنه الفراق  أي : أيقن الإنسان أنه الفراق؛ أي : فراق الدنيا ، والأهل ، والمال ، والولد . 
وقوله : والتفت الساق بالساق  قال ابن عباس [وغيره : يعني : شدة أمر الآخرة بأمر الدنيا ، وكذلك قال  الحسن   : المعنى : حال الموت بحال الحياة . 
 الشعبي  وغيره] : المعنى : التفت ساقا الإنسان عند الموت من شدة الكرب ، وعن  الحسن   : التفت ساقاه في الكفن . 
 الضحاك   : اجتمع عليه أمران : الملائكة يجهزون روحه ، والناس يجهزون جسده . 
وقوله : إلى ربك يومئذ المساق  أي : إليه يساق الميت . 
وقوله : فلا صدق ولا صلى  أي : فلا صدق بربه ، ولا صلى له ، عن  قتادة  ، وقال  الحسن   : فلا تصدق ، ولا صلى . 
[وقوله : ثم ذهب إلى أهله يتمطى   : قال  مجاهد  ،  وقتادة   : يتبختر] . 
 مجاهد   : المراد به : أبو جهل   . 
 [ ص: 540 ] وقيل : إن {يتمطى} من (المطا) ؛ وهو الظهر؛ والمعنى : يلوي مطاه . 
وقيل : أصله : (يتمطط) ، وهو التمدد من الكسل والتثاقل؛ أي : فهو يتثاقل عن الداعي إلى الحق ، فأبدل من الطاء ياء؛ كراهة التضعيف . 
وقوله : أولى لك فأولى  ثم أولى لك فأولى   : قال  قتادة   : هو وعيد على وعيد ، وقال : أقبل أبو جهل  يتبختر ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، وقال : أولى لك فأولى  ثم أولى لك فأولى  ، فقال : ما تستطيع أنت ولا ربك في شيئا ، إني لأعز من بين جبليها ، فضرب الله عنقه يوم بدر . 
قال  ابن عباس   : قال له النبي عليه الصلاة والسلام ذلك قبل أن ينزل به القرآن ، ثم نزل به القرآن . 
وقيل : إن المعنى : الذم . 
أولى لك   : من غيره ، فحذف؛ لكثرة الاستعمال ، وحذف الخبر بعد (أولى) الثانية؛ كما حذف في قولك : (زيد منطلق وعمرو) ، ولا يكون {أولى} (أفعل  [ ص: 541 ] منك) ، ويكون خبر مبتدأ محذوف؛ كأنه قال : الوعيد أولى له من غيره؛ لأن أبا زيد قد حكى : (أولاة الآن) ؛ إذا أوعدوا ، فدخول علامة التأنيث دليل على أنه ليس كذلك ، و {لك} : خبر عن {أولى} ، ولم ينصرف {أولى} ؛ لأنه صار علما للوعيد ، فصار كرجل اسمه (أحمد) . 
وقيل : التكرير فيه على معنى : الذم لك على عملك السيئ الأول ، ثم على الثاني ، ثم على الثالث ، وكلما تكرر ذلك منه . 
والعرب تقول : (أولى له) ؛ أي : كاد يهلك ، ثم أفلت ، فكأن التقدير : أولى له الهلكة . 
وقيل : معناه : وليه المكروه والشر . 
أيحسب الإنسان أن يترك سدى  أي : مهملا لا يؤمر ، ولا ينهى ، عن  ابن عباس   . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					