وقال تعالى في سورة المؤمنين : قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون  سيقولون لله قل فأنى تسحرون   [المؤمنون : 88-89] .  [ ص: 291 ] 
يعني : إذا سألت عن الكفار ، لمن التصرف في العالم على وجه لا يقابله حام ؟ فإنهم يقولون: إن هذا الشأن هو لله ، فمن أين يتخبطون ؟ 
والآية أفادت أن الله لم يعط أحدا قدرة التصرف في العالم ، ولا يقدر أحد أن يحمي أحدا دونه . 
وفيها : أن كفار زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يعتقدون أن أصنامهم مساوون لله ، بل يعتقدون أن كل ما سوى الله مخلوق لله ، وعبيد له ، ولم يكونوا يثبتون لأحد قوة ، وتصرفا ، وطاقة في مقابلته سبحانه ، ولم يكن شركهم هذا إلا هذا الدعاء ، والنذر ، واعتقاد الوكالة ، والشفاعة فيهم . 
فكان ذلك كفرهم ، وشركهم بالله الذي رده عليهم في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. 
فمن عامل أحدا هذه المعاملة ، وإن اعتقده عبدا ، ومخلوقا له تعالى ، فهو وأبو جهل اللعين سواء في الشرك . 
وليس الشرك موقوفا على أن يسوي أحدا بالله ، ويجعله مقابلا له تعالى . 
بل معنى الشرك   : أن الأشياء المختصة بالله تعالى التي جعلها أمارة العبودية ، وعلامتها على عبيده ، يفعله لغير الله ؛ كالسجدة ، والذبح ، والنذر ، والدعاء عند الشدة ، وأنه حاضر ناظر ، وله قدرة ، وتصرف . 
فمن اعتقد هذا في غيره تعالى ، فقد صار مشركا ، وثبت منه الشرك ، وإن قال: إن هذا الغير أصغر من الله ، وخلقه ، وعبده ، ولا فرق في هذا الأمر - يعني : الشرك - بين الأنبياء ، والأولياء ، والجنيات ، والشياطين . 
فأي شيء يعامل به هذه المعاملة أنبياء كانوا أو شيوخا ، أو شهداء ، أو الجنيات ، أو الشياطين ، يكون شركة ، ويصير صاحبه مشركا . 
كيف وقد وجد الله على اليهود والنصارى كما وجد على عابدي الأصنام ؛ لأنهم كانوا يعاملون هذه المعاملة مع الأنبياء ، والأولياء كما قال سبحانه في سورة براءة :  [ ص: 292 ] اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون   [التوبة : 31] . 
يعني : اعتقدوا أن الله مالك كبير وراءه مالكون آخرون صغيرون ، وهم الأحبار ، والرهبان ؛ أي : العلماء والمشايخ ، مع أن الله لم يحكم لهم بهذا. 
وثبت الشرك عليهم بهذا الاتخاذ . 
وهو سبحانه -وحده - مالك لا شريك له ، صغيرا كان ، أو مثيلا ، بل جميع الأكابر والأصاغر عبيد له عاجزون ، سواسية في العجز ، وعدم القدرة ، والتصرف في العالم كما أفصح بذلك في سورة مريم - عليها السلام - : لقد أحصاهم وعدهم عدا  وكلهم آتيه يوم القيامة فردا   [مريم : 93-95] . 
وهذا يدل على أن أحدا من الملائكة والبشر لا تزيد رتبته على العبدية ، والرقية ، والمملوكية . 
وكلهم عاجزون في قبضته ، ليس لهم قدرة أصلا ، وكل واحد من هؤلاء يأتيه فردا فردا ، لا يكون له أحد عنده وكيلا ، ولا حاميا ، ولا شفيعا . 
والآيات في هذا الباب في الكتاب العزيز كثيرة طيبة جدا . 
فمن فهم معنى هذه الآيات العديدة التي ذكرناها ، فهم معنى الشرك ، وعلم مضمون التوحيد . 
ولا بد في هذا الوضع من العلم بأن أي أشياء خصها الله تعالى لنفسه ، واستأثر بها ، لا ينبغي أن يشرك به فيها . 
وهذه الأشياء كثيرة ، نذكر منها نبذة يسيرة ، دل عليها هذا الكتاب ، ونطقت بها الأحاديث ، فقس عليها الباقي .  [ ص: 293 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					