معنى كلمة «سددوا» الواردة في الحديث: 
قال بعضهم : هذا تأكيد لقوله : «سددوا» ; أي : اطلبو لعملكم السداد والاستقامة ، واقصدوا في العمل ، ولا تذهبوا بعيدين ، ولا تفرطوا . 
وقال في «مجمع البحار» : اطلبوا السداد; يعني : الصواب والاعتدال ، بين الإفراط والتفريط ، فإن عجزتم عن ذلك ، فكونوا قريبين به . 
 [ ص: 189 ] وورد في بعض الروايات : قربوا يعني : اجعلوا الآخرين قريبين من العمل الصالح . 
والحاصل : أن تعملوا ، ولا تذكروا القضاء والقدر . 
فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة ، وإن عمل أي عمل» في مدة عمره وطول حياته من الحسن والسيئ; فإن ختم عمله يكون آخرا على العمل الحسن - إن شاء الله تعالى . . اللهم اجعلنا منهم ، «وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار ، وإن عمل أي عمل» ، وإن جاء بكل حسنة في الظاهر; فإنه لا اعتبار به ، إنما العبرة بالخاتمة الحسنى . 
«ثم قال» ; أي : أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين . 
وكثيرا ما يأتي القول بمعنى الإشارة ، وقد وقع [نحو] هذه المحاورة في الأحاديث الشريفة كثيرا نحو : «قال بيده» ، و «قال برأسه» ، و «قال برجله» ، ونحو ذلك ، «فنبذهما» ; أي : طرحهما من يديه الشريفتين وراء ظهره الكريم . 
قال في الترجمة : «النبذ» : طرح الشيء من اليد أمامه أو خلفه ، وفسر هنا بما وراء الظهر إشارة إلى أن هذا الأمر قد فرغ عنه ، وطرح خلف الظهر . 
قال في «المرقاة» : أي : طرحهما لا بطريق الإهانة ، بل نبذهما إلى عالم الغيب . 
هذا إذا كان هناك كتاب حقيقي 
وأما على التمثيل ، فيكون المعنى : نبذهما; أي : اليدين . انتهى . والأول أولى . 
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فرغ ربكم من العباد»  ; أي : أتم أمرهم «فريق في الجنة ، وفريق في السعير رواه  الترمذي   . 
 [ ص: 190 ] ويزيده إيضاحا حديث مسلم بن يسار  ، قال : سأل  عمر بن الخطاب  عن هذه الآية : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم   [الأعراف : 172] الآية . 
قال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنها ، فقال : إن الله خلق آدم ، ثم مسح ظهره ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون» . 
فقال رجل : ففيم العمل يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله إذا خلق العبد للجنة ، استعمله بعمل أهل الجنة  حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة ، فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار ، استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار ، فيدخله به النار» رواه  مالك  ،  والترمذي  ،  وأبو داود   . 
قال في الترجمة : يعني : يدخل الجنة والنار بحسب عمله ، فالعمل علامة عليه ، وبه أمر ، وهو قضاؤه . انتهى . 
قلت : وما أصدق هذا الحديث في هذا الزمان! فنحن نرى أناسا كثيرا يقتلون أنفسهم بأيديهم . ومنهم : من يشرك بالله عند مرض الموت . ومنهم : من يحتفل بالبدعات . ومنهم : من يتوسل بالمحدثات في طلب الشفاء . ومنهم : من يموت في حب الدنيا والتماس الدراهم والدنانير . 
ومنهم : من يموت على حب الفرق الضالة ، وإعانتهم بالمال واللسان والجنان . 
				
						
						
