فصل [ما يراعى في الصدقة] 
ويراعى في ذلك ثلاث أحوال : حال المعطي ، وقدر العطية ، وفي من توضع ، فأفضل ذلك حال الصحة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل : أي الصدقة  [ ص: 3485 ] أفضل؟ فقال : "أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر  ولا تمهل ، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ولفلان كذا . ألا وقد كان لفلان"  . 
وأما القدر فأفضله ما خلف غنى ، لقول الله تعالى : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو   [البقرة : 219] ، قال  محمد بن جرير الطبري   : العفو الفاضل . 
فأرشدنا الله -عز وجل- عندما سئل نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن القدر الذي يتصدق به أن يكون الفاضل عما يحتاجون إليه ، وقال تعالى : والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما   [الفرقان : 67] ، وقال تعالى : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد . . .  ، وفي  البخاري   ومسلم  قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :  "لا صدقة إلا عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول"  . 
وقال  كعب بن مالك   : إن من توبتي أن أنخلع من مالي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : 
 [ ص: 3486 ]  "أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك"  . 
وقال  سحنون  في العتبية : إن تصدق بجل ماله ولم يبق ما يكفيه ردت صدقته . 
وقال  مالك  في كتاب محمد   : يجوز أن يتصدق بجميع ماله ، وقد فعله  أبو بكر الصديق   . 
والأول أحسن ، للقرآن وللأحاديث المروية في ذلك ، وأما صدقة  أبي بكر   - رضي الله عنه - فقد كانت لاستئلاف الناس واستنقاذهم من الكفر ، وذلك حينئذ واجب ، ويستحب أن يتصدق من أنفس ماله ، لقول الله - عز وجل- : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون   [آل عمران : 92] ، وقياسا على العتق ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل : أي الرقاب أفضل؟ فقال : "أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها"  .  [ ص: 3487 ] 
ويستحب أن يجعل ذلك في أقاربه ثم جيرانه وفي من يستصلح به نفسه ، ويرفع به الشحناء  ، فأما الأقارب فلحديث  أبي طلحة  ، وقد تقدم ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم – لميمونة  وقد أعتقت خادما لها :  " لو أعطيتها أخوالك لكان أعظم لأجرك"  . 
فقدم العطية للأقارب  على العتق ، وقال :  "من سره أن يبسط في رزقه وينسأ في أجله فليصل رحمه"   . 
وقال  مالك  في كتاب محمد  في من أحب أن يعتق عبدا أو يتصدق به على ابني عمه وهما يتيمان فقال : يتصدق به عليهما . 
وأما الجار فلقوله - صلى الله عليه وسلم -  لعائشة   - رضي الله عنها - وقالت : يا رسول الله إن لي جارين ،  [ ص: 3488 ] فإلى أيهما أهدي؟ قال : "لأقربهما منك بابا"  . 
وقال :  " لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة"  . وجميع هذه الأحاديث أخرجها  البخاري   .  [ ص: 3489 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					