فصل [في قدر ما يخرج في زكاة الحرث] 
والزكاة فيما كان يشرب من عروقه ، أو سيحا ، أو بالعيون ، والأنهار ، أو بعلا بالسماء ، وما أشبه ذلك مما لا يتكلف فيه مؤنة العشر ، فإن كان يسقى بالغرب ، أو بالدالية فنصف العشر ، فحط نصف العشر لمكان ما يتكلف في ذلك من المؤنة بنفسه أو بماله . 
والأصل في ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -  "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر ، وما سقي بالنضح نصف العشر"   . أخرجه  البخاري   ومسلم   . وقال ابن فارس   : العثري الذي يشرب سيحا ، قال : وقيل هو العذي والعذي عنده ما سقته السماء ، وكلا القولين مخالف للحديث ؛ لأنه قد ذكر في الحديث ما تسقيه السماء والعيون ، والعثري غيرهما : وهو ما يشرب بعروقه . 
واختلف إذا كان الشرب بالوجهين جميعا : بالسماء والنضح . فقال  مالك  في كتاب محمد   : إن سقى نصف السنة بالعيون ، ثم انقطع عنه وسقى بالنضح ،  [ ص: 1088 ] أخرج نصف زكاته عشرا ، والنصف الآخر نصف العشر ، فإن سقى ثلثي السنة بالعين ، والثلث بالنضح ، جعل القليل تبعا للكثير ، وسواء كان المبدأ القليل أو الكثير . وقال  أبو محمد عبد الوهاب   : يتخرج فيها قول آخر ؛ أنه يؤخذ من كل واحد منهما بحسابه . قال : وقال  ابن القاسم   : إنما ينظر إلى الذي يحيا به الزرع ، يريد : الآخر الذي به تم ، كان قليلا أو كثيرا ، وأرى أن ينظر إلى ما كان يرى أنه في ذلك النخل أو الزيتون أو الزرع أولا قبل الثاني ، فإن قيل : عشرة أوسق ، فأصاب بعد ذلك خمسة عشر وسقا ، زكى ثلثيه على الأول ، والثلث على الثاني ، فإن كان الأول هالكا ، ولولا الثاني لم يؤخذ من تلك الثمار شيء صح أن يزكي على الآخر . والقياس أن يراعي الأول ؛ لأن به تم الثاني . ولو انفرد به الثاني ولم يتقدم الأول لم ينتفع بالثاني ، وإن كان لا يعرف قدر ما كان في الثمار قبل الثاني رجع إلى قدر السقي . 
وسأل قوم لهم أراض إلى جنبها واد مستقل عنها ، فأنفقوا فيه نفقة كثيرة حتى طلع الماء وصار يسقي تلك الأرض  ؛ فرأيت أن يزكوا عن أول عام نصف العشر ، وكذلك ما يكون من النخيل لا ماء له فاكترى له ماء أن يزكي نصف العشر ؛ لأن أكثر الماء ربما يتكلف فيه أكثر مما يتكلف من اكتراء الماء أو استخراجه أو اشتراه فأحيا به زرعه أو ثمرة نخلة في الغرب والدالية ، وإن اشترى الماء ولم يكتر زكى العشر ؛ لأن السقي من باب الغلة ، وقد يبيعه بعد ذلك .  [ ص: 1089 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					