باب في مواقيت الحج والعمرة  ، والوقت الذي يحرم فيه الحاج  
المواقيت خمسة : ذو الحليفة  ، والجحفة  ، ويلملم  ، وقرن  ، وذات عرق   . 
فذو الحليفة  لأهل المدينة   ، والجحفة  لأهل الشام   ومصر  والمغرب  ، ويلملم  لأهل اليمن  ، وقرن  لأهل نجد   ، وذات عرق  لأهل العراق    . 
ومن أتى على أحد هذه المواقيت من غير أهله فمهله منه ، وليس له أن يؤخر عنهم إلا أهل الشام  والمغرب  إذا مروا على ذي الحليفة  خاصة ، فلهم أن يؤخروا إلى الجحفة  ؛ لأن ميقاتهم أمامهم ، ولهم إن لم يمروا بالجحفة  أن يؤخروا إحرامهم ؛ ليحرموا إذا حاذوها . وكذلك كل من لم يمر بميقاته فمهله إذا حاذاه في بر أو بحر . 
وقال  ابن حبيب   : إذا لم يكن مرور أهل الشام   وأهل المغرب   بالجحفة  ، فلا رخصة لهم في ترك الإحرام من ذي الحليفة   . 
يريد : إذا لم يكن مرورهم على موضع يحاذي ميقاتهم . 
وقال أبو قرة  عن  مالك  فيمن كان من أهل المدينة  ، وكان طريقه على غير طريق المدينة   : فإنه يحرم إذا حاذى الجحفة  ، ومن كان مسكنه أمام ميقات من هذه المواقيت فمهله من موضعه ، وليس له أن يتعداه لما بعد ، ولا عليه أن  [ ص: 1158 ] يرجع إلى ما خلفه من الميقات ، سواء أراد حجا أو عمرة . ويفترق الجواب في أهل مكة  وغيرهم ممن هو ساكن في الحرم ، فإهلاله بالحج من موضعه ، وبالعمرة من خارج الحرم . 
والأصل في هذه الجملة : حديث  ابن عباس   - رضي الله عنهما - قال :  "وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة   ذا الحليفة ولأهل الشام   الجحفة ولأهل نجد   قرنا ولأهل اليمن   يلملم ، فهن لهم ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة ، ومن كان وراء ذلك فمن أهله ، وكذا حتى أهل مكة   يهلون من مكة"   . أخرجه  البخاري  ،  ومسلم   . ويخرج من عموم هذا الحديث إحرام من كان في الحرم بالعمرة  ، فليس موضعه ميقاتا لها حتى يخرج إلى الحل ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر  عائشة   - رضي الله عنه - أن تخرج إلى التنعيم ، فتعتمر منها  . 
وقد اختلف في القارن من الحرم  ، فمنعه  مالك  في المدونة ، وأجازه  سحنون   وإسماعيل القاضي  ؛ لما كان المفرد بالحج ممنوعا من الطواف حتى يخرج إلى الحل ، ومنها عرفات   . وكذلك المعتمر يقرن من الحرم  ، ثم لا يعمل شيئا  [ ص: 1159 ] حتى يرجع من عرفة  ، إلا أن يحب أن يطوف قبل وقوف عرفة  ، فإنه يطوف ولا يسعى إلا أن يخرج إلى الحل ، فيجوز له حينئذ أن يطوف ويسعى . 
واختلف فيمن أفرد الحج من مكة   ، ثم طاف وسعى قبل أن يخرج إلى عرفة  ، هل يحتسب به ؟ 
فقال  مالك  في المدونة : إذا رجع من عرفة  طاف وسعى ، فإن هو لم يفعل حتى رجع إلى بلده رأيت السعي الأول بين الصفا والمروة  يجزئه وعليه الدم وذلك أيسر شأنه عندي . 
وقال  أبو الحسن ابن القصار   : وقد روي عن  مالك  أنه إن كان قد طاف وسعى ، ثم فرغ من حجه- أجزأه . 
وأجاز ذلك  الشافعي   وأبو حنيفة  ؛ لأن الطواف بانفراده ليس من شرطه أن يؤتى به من الحل ، فيجمع فيه بين الحل والحرم ، وكذلك السعي بين الصفا والمروة  ليس من شرطه أن يؤتى به من الحل   . فقد قيل : إن سعيه مسعى هاجر  بينهما ، حيث عطش إسماعيل  عليه السلام . 
وإذا كان ذلك ؛ كان الصواب أنه جائز حسبما روي عن  مالك  في أحد القولين . وقال  مالك   : يستحب للمعتمرين من أهل مكة   أن يحرموا بالحج من المسجد الحرام   .  
وقال في كتاب محمد   : ولا يحرم من بيته ، بل من جوف المسجد . قيل له :  [ ص: 1160 ] 
فمن عند باب المسجد ؟ قال : لا ، بل من جوف المسجد . 
وأهل مكة   وكل من بها من غير أهلها سواء ، وقال في المبسوط : إن شاء أهل أهل مكة   من مكة  ، ولا يخرج من الحرم . 
وكل هذا أحسن أن يحرم من حيث شاء من مكة  ، والاستحباب أن يكون من المسجد . 
وقال  مالك  فيمن كان من أهل الآفاق ، ودخل مكة  يريد العمرة ، ثم أراد أن يحرم بالحج وعليه نفس : أحب إلي أن يخرج إلى ميقاته ، فيحرم منه . 
واستحب  ابن القاسم  لمن دخل مكة حلالا ، ثم أراد أن يحرم بالحج أن يخرج إلى الحل ، وعلى قول  مالك  يستحب له أن يخرج إلى ميقاته . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					