باب في الدعوة قبل القتال 
الأصل في ذلك قول الله -عز وجل- : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا   (45) وداعيا إلى الله   [الأحزاب : 46 ، 47] ، وقوله : بلغ ما أنزل إليك من ربك   [المائدة : 67] . 
فتضمنت هذه الآية وما شابهها الدعوة إلى الله ، ويبشر من أطاع بالجنة ، ويحذر من عصى من النار  ، وإذا كان ذلك ؛ لم يجز القتال قبل البلاغ وقبل إعلامهم بما يراد منهم من ذلك . 
ولا خلاف في وجوب الدعوة قبل القتال لمن لم يبلغه أمر الإسلام   . 
واختلف قول  مالك  فيمن بلغته الدعوة قبل القتال : هل يدعى أم لا ؟ 
والدعوة فيمن بلغته على أربعة أوجه : واجبة ، ومستحبة ، ومباحة ، وممنوعة . 
فأما الجيوش العظام تنزل بمن يرى أنهم لا طاقة لهم بقتالهم ، ويغلب على الظن أنهم متى دعوا إلى الإسلام أو إلى الجزية أجابوا ، وقد يجهلون ويظنون أنه لا يقبل ذلك منهم الآن لما تقدم من تأخرهم عن دخولهم في الإسلام ، فالدعوة لهؤلاء واجبة . 
وإن كانوا عالمين بقبول ذلك منهم ، ولا يغلب على الظن قبولهم ؛ كانت مستحبة ، وإن لم يرج قبولهم ؛ كانت مباحة .  [ ص: 1344 ] 
وإن كان المسلمون قلة ، ويخشون أن يكون في ذلك إنذار بالمسلمين ، وأخذهم لحذرهم ؛ كانت ممنوعة . 
واختلف في تبييتهم ، فقال  مالك  في مختصر ابن عبد الحكم   : أكره التبييت . 
وأجازه  محمد بن المواز  ، واستشهد بقصة كعب بن الأشرف  لعنه الله . 
قال الشيخ - رضي الله عنه - : ذلك على ثلاثة أوجه : 
فمن كان تجب دعوته لا يجوز تبييته . 
ومن لا تجب وتستحب الدعوة ؛ يكره التبييت . 
ومن كانت الدعوة مباحة فيهم ؛ كان التبييت جائزا ، إلا أن يخشى على المسلمين متى دخل عليهم ليلا لجهل الناس بالبلد وبالمواضع التي يخاف أن يؤتى عليهم منها . 
فإذا توجه القتال لم يؤذنوا بحرب ، واستعمل معهم المكر والخديعة ، ولا يعلم بحين الهجوم عليهم بالحرب ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أغار على بني المصطلق ، ففيه وجهان : سقوط الدعوة ، وألا يؤذنوا بحرب . 
ودعا أهل خيبر ، وقال  لعلي   - رضي الله عنه - :  "ادعهم للإسلام ، وأخبرهم بما يجب لله عليهم ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"  .  [ ص: 1345 ] 
وقال  لمعاذ بن جبل   - رضي الله عنه - حين بعثه إلى اليمن   :  "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله . . ." الحديث . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					