بل ورد ما هو أشد من هذا ، قال أنس استشهد غلام منا يوم أحد ، فوجدنا على بطنه حجرا مربوطا من الجوع فمسحت أمه عن وجهه التراب ، وقالت : هنيئا لك الجنة يا بني . فقال صلى الله عليه وسلم وما : يدريك ، لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ، ويمنع ما لا يضره . 
وفي حديث آخر إن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كعبا فسأل عنه ، فقالوا : مريض . فخرج يمشي حتى أتاه فلما دخل عليه قال : أبشر يا كعب . فقالت أمه : هنيئا لك الجنة يا كعب . فقال صلى الله عليه وسلم : من هذه المتألية على الله ؟ قال هي أمي يا رسول الله . قال : وما يدريك يا أم كعب  ، لعل كعبا  قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يغنيه . 
ومعناه أنه : إنما تتهيأ الجنة لمن لا يحاسب ، ومن تكلم فيما لا يعنيه حوسب عليه  ، وإن كان كلامه غير مباح ، فلا تتهيأ الجنة مع المناقشة في الحساب ؛ فإنه نوع من العذاب . 
وعن محمد بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة . فدخل  عبد الله بن سلام  فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك ، وقالوا : أخبرنا بأوثق عمل في نفسك ترجو به . فقال : إني لضعيف ، وإن أوثق ما أرجو به الله سلامة الصدر وترك ما لا يعنيني . 
وقال أبو ذر قال : لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا : أعلمك بعمل خفيف على البدن ، ثقيل في الميزان ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : هو الصمت وحسن الخلق وترك ما لا يعنيك وقال مجاهد سمعت  ابن عباس  يقول : خمس لهن أحب إلي من الدهم الموقوفة  لا تتكلم فيما لا يعنيك ؛ فإنه فضل ، ولا آمن عليك الوزر ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا ؛ فإنه رب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه ، فعنت ولا تمار حليما ولا سفيها ; فإن الحليم يقليك والسفيه يؤذيك واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به وأعفه ، مما تحب أن يعفيك منه وعامل ، أخاك بما تحب أن يعاملك به واعمل ، عمل رجل يعلم أنه مجازى بالإحسان ، مأخوذ بالاحترام وقيل للقمان الحكيم   : ما حكمتك ؟ قال : لا أسأل عما كفيت ، ولا أتكلف ما لا يعنيني وقال مورق العجلي  أمر أنا في طلبه منذ عشرين سنة لم أقدر عليه ، ولست بتارك طلبه . قالوا : وما هو قال ؟ : السكوت عما لا يعنيني وقال  عمر  رضي الله عنه : لا تتعرض لما لا يعنيك ، واعتزل عدوك ، واحذر صديقك من القوم إلا الأمين ، ولا أمين إلا من خشي الله تعالى ، ولا تصحب الفاجر فتتعلم من فجوره ، ولا تطلعه على سرك ، واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى  . 
. 
     	
		
				
						
						
