وبالجملة : فمن جوز أن يكون عند الله شقيا ، وقد سبق القضاء في الأزل بشقوته فما له ، سبيل إلى أن يتكبر بحال من الأحوال   . 
نعم إذا غلب عليه الخوف رأى كل أحد خيرا من نفسه ، وذلك هو الفضيلة ، كما روي أن عابدا أوى إلى جبل فقيل له في النوم : ائت فلانا الإسكاف فسله أن يدعو لك . 
فأتاه ، فسأله عن عمله ، فأخبره أنه يصوم النهار ، ويكتسب ، فيتصدق ببعضه ، ويطعم عياله ببعضه ، فرجع وهو يقول : إن هذا لحسن ، ولكن ليس هذا كالتفرغ لطاعة الله فأتي ، في النوم ثانيا فقيل ، له : ائت فلانا الإسكاف فقل له : ما هذا الصفار الذي بوجهك فأتاه فسأله ، فقال له : ما رأيت أحدا من الناس إلا وقع لي أنه سينجو وأهلك أنا ، فقال العابد : بهذه . 
والذي يدل على فضيلة هذه الخصلة قوله تعالى : يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون  أي أنهم : يؤتون الطاعات وهم على وجل عظيم من قبولها وقال تعالى : إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون  وقال تعالى : إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين  وقد وصف الله تعالى الملائكة عليهم السلام مع تقدسهم عن الذنوب ومواظبتهم على العبادات على الدءوب بالإشفاق ، فقال تعالى مخبرا عنهم : يسبحون الليل والنهار لا يفترون  ، وهم من خشيته مشفقون  فمتى زال الإشفاق والحذر مما سبق به القضاء في الأزل وينكشف عند خاتمة الأجل ، غلب الأمن من مكر الله ، وذلك يوجب الكبر ، وهو سبب الهلاك . 
فالكبر دليل الأمن ، والأمن مهلك . 
والتواضع دليل الخوف ، وهو مسعد . 
     	
		
				
						
						
