الشطر الثاني من الكتاب في العجب .
وفيه بيان ذم العجب وآفاته ، وبيان حقيقة العجب والإدلال ، وحدهما ، وبيان علاج العجب على الجملة ، وبيان أقسام ما به العجب ، وتفصيل علاجه .
بيان ذم العجب وآفاته .
اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
قال الله تعالى : ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ذكر ذلك في معرض الإنكار وقال عز وجل : وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم . وقال تعالى : وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وهذا أيضا يرجع إلى العجب بالعمل .
وقد يعجب الإنسان بالعمل هو مخطئ فيه ، كما يعجب بعمل هو مصيب فيه .
وقال صلى الله عليه وسلم : « ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه» وقال لأبي ثعلبة حيث ذكر آخر هذه الأمة « إذا رأيت شحا مطاعا ، وهوى متبعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بنفسك» .
وقال ابن مسعود الهلاك في اثنتين القنوط والعجب .
وإنما جمع بينهما ؛ لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمر والقانط لا يسعى ، ولا يطلب ، والمعجب يعتقد أنه قد سعد وقد ظفر بمراده فلا يسعى .
فالموجود لا يطلب ، والمحال لا يطلب والسعادة موجودة في اعتقاد المعجب حاصلة له ومستحيلة في اعتقاد القانط فمن ههنا جمع بينهما .
وقد قال تعالى : فلا تزكوا أنفسكم قال ابن جريج معناه : إذا عملت خيرا فلا تقل : عملت .
وقال زيد بن أسلم لا تبروها أي : لا تعتقدوا أنها بارة ، وهو معنى العجب .
ووقى طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد بنفسه ، فأكب عليه حتى أصيبت كفه فكأنه أعجبه فعله العظيم ؛ إذ فداه بروحه حتى جرح ، فتفرس ذلك عمر فيه فقال ما زال : يعرف في طلحة نأو منذ أصيبت إصبعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والنأو هو العجب في اللغة إلا أنه لم ينقل فيه أنه أظهره واحتقر مسلما ولما كان وقت الشورى قال له ابن عباس أين أنت من طلحة ؟ قال ذلك : رجل فيه نخوة .
فإذا كان لا يتخلص من العجب أمثالهم فكيف يتخلص من الضعفاء إن لم يأخذوا حذرهم وقال ؟! مطرف لأن أبيت نائما وأصبح نادما أحب إلي من أبيت قائما وأصبح معجبا .
وقال صلى الله عليه وسلم : لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب .
فجعل العجب أكبر الذنوب .
وكان بشر بن منصور من الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى والدار الآخرة لمواظبته على العبادة فأطال الصلاة يوما ورجل خلفه ينظر ، ففطن له بشر ، فلما انصرف عن الصلاة قال له : لا يعجبنك ما رأيت مني ؛ فإن إبليس لعنه الله قد عبد الله تعالى مع الملائكة مدة طويلة ثم صار إلى ما صار إليه .
وقيل لعائشة رضي الله عنها : متى يكون الرجل مسيئا ? قالت : إذا ظن أنه محسن وقد قال ، تعالى : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى والمن نتيجة استعظام الصدقة ، واستعظام العمل هو العجب .
فظهر بهذا أن العجب مذموم جدا .


