15 - ( فصل ) 
ومن محاسن الفراسة    : أن الرشيد  رأى في داره حزمة خيزران ، فقال لوزيره  الفضل بن الربيع    : ما هذه ؟ قال عروق الرماح يا أمير المؤمنين ، ولم يقل الخيزران لموافقة اسم أمه . 
ونظير هذا : أن بعض الخلفاء سأل ولده - وفي يده مسواك - ما جمع هذا ؟ قال : محاسنك يا أمير المؤمنين . وهذا من الفراسة في تحسين اللفظ . 
وهو باب عظيم ، اعتنى به الأكابر والعلماء . وله شواهد كثيرة في السنة وهو من خاصية العقل والفطنة . 
فقد روينا عن  عمر  رضي الله عنه : أنه خرج يعس المدينة  بالليل ، فرأى نارا موقدة في خباء ، فوقف وقال : " يا أهل الضوء " . وكره أن يقول : يا أهل النار . وسأل رجلا عن شيء : " هل كان ؟ " قال : لا . أطال الله بقاءك ، فقال : " قد علمتم فلم تتعلموا ، هلا قلت : لا ، وأطال الله بقاءك ؟ " . 
وسئل  العباس    : أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هو أكبر مني ، وأنا ولدت قبله . وسئل عن ذلك قباث بن أشيم  ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني ، وأنا أسن منه . 
وكان لبعض القضاة جليس أعمى ، وكان إذا أراد أن ينهض يقول : يا غلام ، اذهب مع أبي محمد  ، ولا يقول : خذ بيده ، قال : والله ما أخل بها مرة . 
ومن ألطف ما يحكى في ذلك : أن بعض الخلفاء سأل رجلا عن اسمه ؟ فقال :  سعد  يا أمير المؤمنين فقال : أي السعود أنت ؟ قال :  سعد  السعود لك يا أمير المؤمنين ،  وسعد  الذابح لأعدائك ،  وسعد  بلع على سماطك ،  وسعد  الأخبية لسرك ، فأعجبه ذلك . ويشبه هذا : أن  معن بن زائدة  دخل على المنصور  ، فقارب في خطوه . فقال له المنصور    : كبرت  [ ص: 41 ] سنك يا معن  ، قال : في طاعتك يا أمير المؤمنين . قال : إنك لجلد . قال : على أعدائك ، قال : وإن فيك لبقية ، قال : هي لك . 
وأصل هذا الباب : قوله تعالى : { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن . إن الشيطان ينزغ بينهم    } فالشيطان ينزغ بينهم إذا كلم بعضهم بعضا بغير التي هي أحسن ، فرب حرب وقودها جثث وهام ، أهاجها القبيح من الكلام . 
وفي " الصحيحين " من حديث  سهل بن حنيف  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يقولن أحدكم : خبثت نفسي ، ولكن ليقل : لقست نفسي   } وخبثت ولقست وغثت متقاربة المعنى . 
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ " الخبث " لبشاعته ، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ هو أحسن منه ، وإن كان بمعناه تعليما للأدب في المنطق ، وإرشادا إلى استعمال الحسن ، وهجر القبيح من الأقوال ، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					