7 - ( فصل ) 
وسلك أصحابه وخلفاؤه من بعده ما هو معروف لمن طلبه فمن ذلك : أن  أبا بكر  رضي الله عنه حرق اللوطية ، وأذاقهم حر النار في الدنيا قبل الآخرة . 
وكذلك قال أصحابنا : إذا رأى الإمام تحريق اللوطي  فله ذلك . فإن  خالد بن الوليد  رضي الله عنه كتب إلى  أبي بكر الصديق  رضي الله عنه " أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلا ينكح كما تنكح المرأة " فاستشار  الصديق  أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم  علي بن أبي طالب  رضي الله عنه وكان أشدهم قولا ، فقال : " إن هذا الذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا واحدة ، فصنع الله بهم ما قد علمتم ، أرى أن يحرقوا بالنار فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقوا بالنار . فكتب  أبو بكر   [ ص: 17 ] إلى  خالد    " أن يحرقوا " فحرقهم . 
ثم حرقهم  عبد الله بن الزبير  في خلافته . ثم حرقهم  هشام بن عبد الملك    . 
وحرق  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه حانوت الخمار بما فيه . وحرق قرية يباع فيها الخمر . وحرق قصر  سعد بن أبي وقاص  لما احتجب في قصره عن الرعية . فذكر الإمام  أحمد  رحمه الله في مسائل ابنه صالح    : أنه دعا محمد بن مسلمة  فقال : " اذهب إلى  سعد  بالكوفة  ، فحرق عليه قصره ، ولا تحدثن حدثا حتى تأتيني " فذهب محمد  إلى الكوفة  ، فاشترى من نبطي حزمة حطب ، وشرط عليه حملها إلى قصر  سعد    . فلما وصل إليه ألقى الحزمة فيه ، وأضرم فيها النار ، فخرج  سعد  ، فقال : " ما هذا ؟ " قال : " عزمة أمير المؤمنين فتركه حتى احترق . ثم انصرف إلى المدينة  ، فعرض عليه  سعد  نفقة ، فأبى أن يقبلها ، فلما قدم على  عمر  قال له : " هلا قبلت نفقته ؟ " فقال : " إنك قلت : لا تحدثن حدثا حتى تأتيني " . 
وحلق  عمر  رأس نصر بن حجاج  ، ونفاه من المدينة  لتشبيب النساء به وضرب صبيغ بن عسيل التميمي  على رأسه ، لما سأل عما لا يعنيه . وصادر عماله ، فأخذ شطر أموالهم لما اكتسبوها بجاه العمل ، واختلط ما يختصمون به بذلك . فجعل أموالهم بينهم وبين المسلمين شطرين .  [ ص: 18 ] وألزم الصحابة أن يقلوا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اشتغلوا به عن القرآن ، سياسة منه ، إلى غير ذلك من سياساته التي ساس بها الأمة رضي الله عنه قال شيخ الإسلام ابن تيمية  رحمه الله : ومن ذلك إلزامه للمطلق ثلاثا بكلمة واحدة بالطلاق  ، وهو يعلم أنها واحدة . ولكن لما أكثر الناس منه رأى عقوبتهم بإلزامهم به . ووافقه على ذلك رعيته من الصحابة . 
وقد أشار هو إلى ذلك ، فقال : " إن الناس قد استعجلوا في شيء كانت لهم فيه أناة ، فلو أنا أمضيناه عليهن ؟ " فأمضاه عليهم ليقلوا منه فإنهم إذا علموا أن أحدهم إذا أوقع الثلاثة جملة واحدة وقعت ، وأنه لا سبيل له إلى المرأة : أمسك عن ذلك . 
فكان الإلزام به عقوبة منه لمصلحة رآها ، ولم يكن يخفى عليه أن الثلاث كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم  وأبي بكر  تجعل واحدة ، بل مضى على ذلك صدر من خلافته ، حتى أكثر الناس من ذلك ، وهو اتخاذ لآيات الله هزوا . 
كما في " المسند " و " سنن  النسائي    " وغيرهما من حديث  محمود بن لبيد    : { أن رجلا طلق امرأته ثلاثا ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ فقال رجل : ألا أضرب عنقه يا رسول الله ؟   } فلما أكثر الناس من ذلك عاقبهم به . ثم إنه ندم على ذلك قبل موته ، كما ذكره الإسماعيلي  في " مسند  عمر    " . 
فقلت لشيخنا    : فهلا تبعت  عمر  في إلزامهم به عقوبة . فإن جمع الثلاث محرم عندك ؟ فقال : أكثر الناس اليوم لا يعلمون أن ذلك محرم ، ولا سيما  الشافعي  يراه جائزا ، فكيف يعاقب الجاهل بالتحريم ؟ قال : وأيضا فإن  عمر  ألزمهم بذلك . 
وسد عليهم باب التحليل ، وأما هؤلاء : فيلزمونهم بالثلاث ، وكثير منهم يفتح لهم باب التحليل ، فإنه لا بد للرجل من امرأته ، فإذا علم أنها لا ترجع إليه إلا بالتحليل سعى في ذلك . 
والصحابة لم يكونوا يسوغون ذلك ، فحصلت مصلحة الامتناع من الجمع من غير وقوع مفسدة التحليل بينهم . 
قال : ولو علم  عمر  أن الناس يتتابعون في التحليل لرأى أن إقرارهم على ما كان عليه الأمر في زمن رسول ، الله صلى الله عليه وسلم  وأبي بكر  ، وصدرا من خلافته أولى ، وبسط شيخنا  الكلام في ذلك بسطا طويلا . 
 [ ص: 19 ] قال : ومن ذلك منعه بيع أمهات الأولاد  ، وإنما كان رأيا منه رآه للأمة ، وإلا فقد بعن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومدة خلافة  الصديق  ، ولهذا عزم  علي بن أبي طالب  على بيعهن ، وقال : " إن عدم البيع كان رأيا اتفق عليه هو  وعمر    " ، فقال له قاضيه  عبيدة السلماني    : " يا أمير المؤمنين ، رأيك ورأي  عمر  في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك " ، فقال : " اقضوا كما كنتم تقضون ، فإني أكره الخلاف " فلو كان عنده نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم بيعهن لم يضف ذلك إلى رأيه ورأي  عمر  ، ولم يقل " إني رأيت أن يبعن " . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					