ذكر سبب خطبته - صلى الله عليه وسلم - ثاني يوم الفتح وتعظيمه حرمة مكة  
روى  ابن أبي شيبة  عن  الزهري ،  ومحمد بن عمر  عن شيوخه ، قالوا : خرج غزي من هذيل  في الجاهلية وفيهم جنيدب بن الأدلع الهذلي  يريدون حي أحمر بأسا من أسلم - وكان أحمر بأسا رجلا من أسلم  شجاعا لا يرام ، وكان لا ينام في حيه إلا ينام خارجا من حاضره ، وكان إذا نام غط غطيطا منكرا لا يخفى مكانه ، وكان الحاضر إذا أتاهم فزع صرخوا : يا أحمر بأسا . فيثور مثل الأسد ، فلما جاءهم ذلك الغزي من هذيل قال لهم جنيدب بن الأدلع :  إن كان  [ ص: 256 ] 
أحمر بأسا قد قيل في الحاضر فليس إليهم سبيل ، وإن له غطيطا لا يخفى ، فدعوني أتسمع فتسمع الحس فسمعه ، فأتاه حتى وجده نائما فقتله ، وضع السيف على صدره ، ثم اتكأ عليه فقتله ثم حملوا على الحي فصاح الحي يا أحمر بأسا ، فلا شيء لأحمر بأسا ، قد قتل - فنالوا من الحي حاجتهم ، ثم انصرفوا وتشاغل الناس بالإسلام ، فلما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع الهذلي  مكة  يرتاد وينظر والناس آمنون ، فرآه جندب بن الأعجم الأسلمي فقال : جنيدب بن الأدلع قاتل أحمر بأسا ؟ قال : نعم فمه ، فخرج جندب  يستجيش عليه حيه ، فكان أول من لقي خراش بن أمية الكعبي  فأخبره . فاشتمل خراش  على السيف ثم أقبل إليه - والناس حوله ، وهو يحدثهم عن قتل أحمر بأسا فبينما هم مجتمعون عليه إذ أقبل خراش بن أمية  فقال : هكذا عن الرجل . فو الله ما ظن الناس إلا أنه يفرج الناس عنه لينصرفوا ، فانفرجوا فحمل عليه خراش بن أمية  بالسيف فطعنه به في بطنه وابن الأدلع  مستند إلى جدار من جدر مكة ،  فجعلت حشوته تسيل من بطنه ، وإن عينيه لتزنقان في رأسه ، وهو يقول : فعلتموها يا معشر خزاعة ؟  فانجعف فوقع فمات . 
فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال : «يا معشر خزاعة”  ارفعوا أيديكم عن القتل ، فقد كثر القتل ، لقد قتلتم قتيلا لأدينه ، إن خراشا  لقتال - يعيبه بذلك . 
لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت خراشا   . 
وروى الشيخان  والترمذي  عن ابن شريح خويلد بن عمرو العدوي ،  والشيخان عن  ابن عباس ،   وابن منيع  بسند صحيح ، وابن أبي عمرو .  والإمام  أحمد ،   والبيهقي  عن  ابن عمر ،   وابن أبي شيبة ،  والشيخان عن  أبي هريرة   - رضي الله عنهم -  وابن أبي شيبة  عن  الزهري ،   وابن إسحاق  عن بعض أهل العلم ، ومحمد بن عمر  عن شيوخه ، قالوا : لما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة  على رجل من هذيل  فقتلوه - وهو مشرك - فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا بعد الظهر ، وأسند ظهره إلى الكعبة . 
وعند  ابن أبي شيبة  عن  أبي هريرة :  أنه - صلى الله عليه وسلم - ركب راحلته فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «أيها الناس إن الله تعالى حرممكة  يوم خلق السماوات والأرض ويوم خلق الشمس والقمر ، ووضع هذين الجبلين ، ولم يحرمها الناس ، فهي حرام إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرا ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولم تحل لأحد يكون بعدي ، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها - ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فمن قال لكم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قاتل فيها فقولوا له : إن الله تعالى قد أحلها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يحلها لكم ،  [ ص: 257 ] أيها الناس ، إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم ، أو قتل غير قاتله ، أو قتل بذحول الجاهلية ، يا معشر خزاعة  ارفعوا أيديكم عن القتل فقد والله كثر إن نفع ، فقد قتلتم قتيلا لأدينه ، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين إن شاءوا فديته كاملة ، وإن شاءوا فقتله ثم ودى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة .  قال ابن هشام :  مائة ناقة . قال ابن هشام :  
وبلغني أنه أول قتيل وداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم   - . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					