وفي ذكر طلبه صلى الله عليه وسلم مباهلة أهل نجران  بأمر الله تعالى وامتناعهم من ذلك  قال الله سبحانه وتعالى : فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم   [آل عمران 61] أي جادلك من النصارى في عيسى  من بعد ما جاءك من البينات الموجبة للعلم . فقل تعالوا   [آل عمران 61] هلموا بالرأي والعزم ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم   [آل عمران 61] أي يدع كل منا ومنكم نفسه وعزة أهله وألصقهم بقلبه أي المباهلة ، وإنما قدم على النفس لأن الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم ، ثم نتباهل أي يلعن الكاذب منا ، والبهلة بالضم [والفتح] اللعنة وأصله الترك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار . ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين   [آل عمران 61] عطف فيه بيان . 
إن هذا لهو القصص الحق   [آل عمران 62] أي ما ذكره من شأن عيسى  حق دون ما ذكروه وما بعده خبر ، واللام لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر وأصلها أن تدخل على المبتدأ . وما من إله إلا الله   [آل عمران 62] صرح فيه «بمن» المزيدة للاستقراء تأكيدا للرد على النصارى في تثنيتهم . وإن الله لهو العزيز الحكيم  لا أحد يساويه في القدرة الثابتة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية . فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين   [آل عمران 63] وعيد لهم وضع لهم موضع التميز ليدل على أن التولي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدين والاعتقاد المؤدي إلى فساد العلم . 
وروى  الحاكم  وصححه ،  وابن مردويه  ،  وأبو نعيم  في الدلائل عن  جابر  ،  وأبو نعيم  عن  ابن عباس  رضي الله تعالى عنه ،  والبيهقي  عن سلمة بن عبد يسوع  عن أبيه عن جده والشيخ  [ ص: 419 ]  والترمذي  ،  والنسائي  عن  حذيفة  ، وابن سعد  عن الأزرق بن قيس  ،  وعبد بن حميد  ،  وابن جرير  ،  وأبو نعيم  عن  ابن عباس  في الدلائل عن  قتادة  ،  وابن أبي شيبة  ،  وسعيد بن منصور  ،  وعبد بن حميد  ،  وابن جرير  ،  وأبو نعيم  عن  الشعبي  رضي الله تعالى عنهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآيات دعا وفد نجران  إلى المباهلة فقال : «إن الله تعالى أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم» . فقالوا : يا أبا القاسم  بل نرجع فننظر في أمرنا  . وفي حديث  ابن عباس  عن أبي نعيم  في الدلائل : فقالوا : أخرنا ثلاثة أيام ، فخلا بعضهم إلى بعض وتصادقوا . فقال السيد العاقب   : والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا  لنبي مرسل ولئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين إنه للاستئصال لكم ، وما لاعن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم  . وفي رواية : فقال شرحبيل   : لئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك  . وفي رواية : لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا ، وفي رواية : لئن لاعنتموه ليخسفن بأحد الفريقين . قالوا : فما الرأي يا أبا مريم  ؟ فقال : رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا . 
فقال السيد   : فإن كنتم قد أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلى بلادكم . فلما انقضت المدة أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتملا على الحسن   والحسين  في خميلة له  وفاطمة  تمشي عند ظهره للملاعنة ، وله يومئذ عدة نسوة . فقال صلى الله عليه وسلم : «إن أنا دعوت فأمنوا أنتم»  . وروى  مسلم  ،  والترمذي  ،  وابن المنذر  ،  والحاكم  في السنن عن  سعد بن أبي وقاص  عن علي بن أحمر  قالا : لما نزلت آية المباهلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  عليا   وفاطمة   وحسنا   وحسينا  ، فقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي»  . انتهى . 
فتلقى شرحبيل  رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك . فقال : «وما هو ؟ » فقال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فما حكمت فينا فهو جائز . وأبوا أن يلاعنوه  . 
وروى  عبد الرزاق  ،  والبخاري  ،  والترمذي  ،  والنسائي  ،  وابن جرير  ،  وابن المنذر  عن  ابن عباس  رضي الله تعالى عنهم قال : لو باهل أهل نجران  رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا  . 
وروي عن  الشعبي  مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لقد أراني البشير بهلكة أهل نجران  حتى الطير على الشجر ولو تموا على الملاعنة»  . 
وروي عن  قتادة  مرسلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن كان العذاب لقد نزل على أهل نجران  ، أن لو فعلوا لاستؤصلوا من الأرض»  .  [ ص: 420 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					