تنبيه : 
استشكلت هذه الأحاديث 
بما في الصحيح عن  عائشة-  رضي الله تعالى عنها- قالت : لما مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال : مروا  أبا بكر  فليصل بالناس ، فخرج  أبو بكر  يصلي فوجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة ، فخرج يهادى بين رجلين ، كأني أنظر إلى رجليه تخطان الأرض من الوجع ، فأراد  أبو بكر  أن يتأخر فأومأ إليه أن مكانك ، ثم أتى إلى أن جلس إلى جنبه ، فقيل للأعمش ،  فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلي وأبو بكر  يصلي بصلاته ، والناس بصلاة  أبي بكر  فقال : نعم . 
وعلم عن  جابر  نحوه ، وفيه أن  أبا بكر  كان مأموما والنبي- صلى الله عليه وسلم- هو الإمام ، وفيه وأبو بكر  يسمع الناس تكبيره . 
والجواب أن هذه الأحاديث المختلفة ، قد جمع بينها  ابن حبان ،   والبيهقي ،   وابن حزم ،  فقال  ابن حبان :  نحن نقول بمشيئة الله وتوفيقه ، إن هذه الأخبار كلها صحاح ، وليس شيء منها معارض الآخر ، ولكن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى في صلاته صلاتين في المسجد جماعة لا صلاة واحدة ، وإحداها كان مأموما ، وفي الأخرى كان إماما . 
قال : والدليل على أنها كانت صلاتين لا صلاة واحدة ، أن في خبر عبيد الله بن عبد الله  عن  عائشة :  أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج بين رجلين ، يريد بأحدهما  العباس ،  والآخر  عليا .   [ ص: 196 ] 
وفي خبر  مسروق  عن  عائشة :  أن النبي- صلى الله عليه وسلم- خرج بين رجلين قال : فهذا يدلك على أنها كانت صلاتين ، لا صلاة واحدة . 
وقال  البيهقي-  رحمه الله تعالى- في «المعرفة» : والذي نعرفه بالاستدلال بسائر الأخبار أن الصلاة التي صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خلف  أبي بكر   هي صلاة الصبح يوم الاثنين ، وهي آخر صلاة صلاها حتى مضى لسبيله ، وهي غير الصلاة التي صلاها  أبو بكر  خلفه ، قال ولا يخالف هذا ما ثبت عن  أنس  في صلاتهم يوم الاثنين وكشف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستر الحجرة ونظره إليهم وهم صفوف في الصلاة ، وأمره إياهم بإتمامها وإرخائه الستر ، فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى ، ثم إنه وجد في نفسه خفة فخرج فأدرك معه الركعة الثانية ، وقال : والذي يدلك على ذلك ما ذكره  موسى بن عقبة  في المغازي وذكره أبو الأسود  عن  عروة :  «أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أقلع عنه الوعك ليلة الاثنين ، فغدا إلى صلاة الصبح يتوكأ على  الفضل بن عباس  وغلام له وقد سجد الناس مع  أبي بكر  في صلاة الصبح وهو قائم في الأخرى ، فتخلص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى قام إلى جنب  أبي بكر  فاستأخر  أبو بكر ،  فأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثوبه فقدمه في مصلاه ، فصفا جميعا ، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس وأبو بكر  قائم يقرأ القرآن فلما قضى  أبو بكر  قراءته قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فركع معه الركعة الأخيرة ، ثم جلس  أبو بكر  حين قضى سجوده يتشهد ، والناس جلوس ، فلما سلم أتم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الركعة الأخيرة ، ثم انصرف إلى جذع من جذوع المسجد ، فذكر قصة دعائه  أسامة بن زيد ،  وعهده إليه فيما بعثه فيه ، ثم في وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم رواه بإسناده إلى  ابن شهاب  وعروة»   . 
قال  البيهقي :  فالصلاة التي صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو مأموم صلاة الظهر ، وهي التي خرج فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين  الفضل بن عباس ،  وغلام له . 
قال : وفي ذلك جمع بين الأخبار التي وردت في هذا الباب . 
وقال  ابن حزم-  رحمه الله تعالى- أيضا إنهما صلاتان متغايرتان بلا شك ، إحداهما التي رواها الأسود  عن  عائشة ،  وعبد الله  عنها وعن  ابن عباس  صفتها أنه- صلى الله عليه وسلم- أم الناس والناس خلفه ، وأبو بكر  عن يمينه في موقف المأموم ، يسمع الناس تكبيره . 
والصلاة الثانية التي رواها  مسروق ،  وعبيد الله  عن  عائشة ،  وحميد  عن  أنس  صفتها أنه- صلى الله عليه وسلم- كان خلف  أبي بكر  في الصف مع الناس ، فارتفع الإشكال جملة ، قال : وليست صلاة واحدة في الدهر فيحمل ذلك على التعارض ، بل في كل يوم خمس صلوات ، ومرضه- صلى الله عليه وسلم- كان مدة اثني عشر يوما ، فيه ستون صلاة أو نحو ذلك انتهى والله تعالى أعلم .  [ ص: 197 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					